خالد الصلعي
ما يمكن ملاحظته من خلال دراسة البنية العامة للاقتصاد المغربي ، انه اقتصاد واعد ، وهو اقتصاد اهم مميزاته التنوع والامتداد . ويعتبر من بين الاقتصادات النائية والبعيدة عن تقلبات الاقتصاد العالمي المرتبط أساسا بالبترول . وهو بذلك في منأى عن الأخطار التي تعصف بمجمل اقتصادات الدول العربية .لكن ما يثر دهشة الباحث والدارس ، هو انتكاسة الانفاق الحكومي على القطاع العام وتراجع هذا الانفاق بشكل غير مفهوم من زاوية اقتصادية بحثة . كيف ذلك ؟؟
اذا انطلقنا من البيانات الرسمية ، سواء تلك المقدمة من قبل المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي أو تلك المقدمة من قبل المؤسسات الوطنية كوزارة المالية أو المندوبية السامية للتخطيط ، فاننا سنقف على ارقام متفائلة ، رغم تسجيل بعض الارتدادات الخفيفة بين سنة وأخرى . الا ان هذا التفاؤل سرعان ما يغيب حين نحاول استقصاء واقع الأرقام ، لنقف على سراب الواقع . ومثال على ذلك نجد ان البنك الدولي في تقريره السنوي عام 2015 ، يلاحظ انه الاقتصاد المغربي قد عرف تذبذبا بين سنوات2011 و2014 ، حيث ارتفع خلال سنة 2014 بنحو 11 مليار ، ثم ما لبث ان تراجع سنة 2015 بنحو 4 ميليارات دولار . والملاحظة الأساسية هنا أنه رغم ضرب صندوق المقاصة ، فان هذا المعطى لم يخلف أي أثر يذكر على ميزانية 2016 ، التي عرفت تقليصا كبيرا في الانفاق العام هم أساسا ميدان التشغيل ، ودعم الأعمال الاجتماعية ، وزيادة طفيفة في نسبة الاستثمارات الداخلية .
مما يعني أن هناك اختلالات ضخمة على مستوى مصداقية الأرقام المقدمة من الحكومة ومن مختلف الجهات المسوقة لواقع الاقتصاد المغربي . واذا كان الاقتصاد المغربي لا يرتكز في مداخله على مورد واحد كباقي الدول العربية التي كانت فيما سبق تعرف بذخا كبيرا على مستوى العائدات المالية التي تعتمد اساسا على البترول . فالمغرب اعتمد منذ البداية على سلة مداخيل متنوعة ، كان اهمها في بداية الاستقلال الفلاحة ، ثم اخذ يطور في بنية مداخيله ، من سياسة وخدمات وصناعة بشقيها التقليدي والعصري ، واقتصاد مرتبط بمنتوجات البحر ، لكن يظل الغائب الكبير من مداخل المغرب هي تلك المرتبطة بالمعادن والمواد الأولية باستثناء الفوسفاط الذي يتم التلاعب في مداخيله حسب بعض الدراسات- مقال : متى ستنفجر مداخيل الفوسفاط ؟ .
ومن المعلوم ان المغرب استفاد كثيرا من أحداث الربيع العربي ، حيث اجتذب بعض الصناعات التي حولت رؤوس أموالها من بلدان تأثرت بتداعيات هذا الربيع ، وخاصة تونس ومصر واجتذاب استثمارات هامة بفضل نسقية اجوائه العامة المشجعة . كما كان يمكن له ان يضاعف من امكانات اغراء مجموعة أكبر من المؤسسات الصناعية لو انه اعتمد سياسة شفافة في هذا الجانب .واستطاع أيضا أن يضيف في قطاع السياحة أعدادا هامة ؛ وهو القضاع الذي يعتمد أساسا على الاستقرار الاجتماعي ، حيث تمكن النظام المغربي من اجهاض الحراك الاجتماعي المرتبط بالربيع العربي في مهده ، وهو ما شكل اشارة هامة لاستقطاب أعداد كبيرة من السياح خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2012 و2016 . ورغم ذلك فان الموازنة العامة لم تشهد أي تحول يذكر يعكس هذه الطفرات الحاصلة على مستوى الصناعة والسياحة . هذا دون الاشارة الى المساهمة الهامة التي يشارك فيها المغاربة المقمين بالخارج .
واذا ما حاولنا الاطلالة او التذكير فقط بطبيعة قطاع الفلاحة بالمغرب الذي يجمع بين الزراعة وتربية المواشي ، وبالمساحة المزروعة وتنوع محاصيلها من القمح الى الحوامض ، ومن الحلزون الى لحوم الأبقار ، فاننا سنقف على معطيين هامين ، الاول تنوع المحاصيل الزراعية بشكل مذهل ، وتعدد أصناف المواشي بشكل لافت . وثانيا انكماش هذه الثروات في مستوياتها التقليدية لسنوات طويلة دون ان تشهد تطويرا او تحديثا أو تغييرا على مستوى توسيع انشطتها بشريا وطبيعيا . هذا دون ذكر قطاع الصيد البحري وانفتاح الساحل المغربي على شريطين بحريين على مسافة طويلة تبلغ ما يقرب من 3446 كلم ، وهو ينتج حسب منظمة الأغذية والزراعة ما يقرب من 4 في المائة من الثروة السمكية العالمية ، أي ما يقرب من مليون طن من السمك .
في حين يعرف القطاع الصناعي تحسنا كبيرا أذ أصبح يشكل ما يقرب من 40 في المائة من الناتج الداخلي الخام ، حسب بعض الدراسات ، و20 في المائة حسب دراسات اخرى ، وهو ما يضفي نوعا من الغموض على حقيقة المداخيل الصافية لهذا القطاع الحيوي ، ولباقي القطاعات الاقتصادية الأخرى دون استثناء . فالدولة تعمل على تحديث القطاع الصناعي سواء تعلق الأمر بالصناعات الثقيلة او الخفيفة او الالكترونية والدقيقة ، لكن رغم ذلك فان دراست شفافة عن مدى تطور هذه القطاعات تبقى في معظمها خارج التغطية العلمية الدقيقة .
هي اطلالة اولية على بعض القطاعات الاقتصادية بالمغرب التي تعرف اشكالات حقيقية من حيث المعطيات والأرقام الحقيقية ، ويمكن للدراسة أن تتطور مستقبلا للوقوف على قطاعات أقتصادية أخرى تعرف انتعاشا ورقم معاملات ضخم ، لكنها تبقى خاضعة لنفس منطق التلاعب والغموض الذي تعرفه القطاعات التي حاولنا الاطلالة عليها بطريقة مبسطة وممختزلة .