محمد الهيني
فجأة ظهر عن سبق إصرار وترصد في متابعة الزميل الصحافي المهدوي قصة من الخيال غير العلمي، إنها مسرحية من فصول الابداع الجنائي الأقرب إلى السخرية والمسخ والتفاهة.
الزميل الصحافي المهدوي مطلوب للعدالة من أجل عدم التبليغ عن ذبابة روسية الصنع، إنها حشرة من عالم الحشرات العسكرية المراد إدخالها للمغرب مشحونة بأخبار النكت والسخرية والضحك على الذقون، ويراد بها تفجير المغرب ضحكا واستهزاء.
الصحافي المهدوي أخطأ حينما لم يبلغ عن الذبابة وهويتها روسية الصنع التي لا ندري إلى حدود اليوم كيف يمكن نقلها بقوتها وضخامتها ومكوناتها من روسيا إلى المغرب، أي مطار وأي طائرة سيتسع لحمل ذبابتهم وحشراتهم؟ وأي ميناء وأي باخرة ستتكفل بهذه البعوضة؟
هل إلى هذه الدرجة يراد اللعب بعقولنا لتصديق التافه من الكلام؟ حتى الحمقى رفضوا ترديد الاسطوانة المشروخة ولم يستسيغوا حتى ترويجها أو نقلها.
قضية الذبابة تستحق أن تكون وسيلة وأداة لتسلية الصغار حتى يناموا، والصبية حتى يحتلموا، والمجنونين حتى يستفيقوا.
الزميل المهدوي استيقظ ذات صباح باكرا في سجن عكاشة وهو يقول لزوار موقع بديل:
لا تسألوني عن الذبابة ولا تصدقوا روايتها، لقد اتصل بي أحمق ومجنون يخبرني برغبته في إدخال ذبابة روسية الصنع إلى المغرب ولم أشأ التبليغ عن ترهاته لأنه هازل، واستنكرت تصريحاته معلنا له أنني وطنيّ ولن أقبل بالمس بأمنه وسلامته لأفاجأ رغما عن ذلك بالزج بي في السجن ظلما وانتقاما.
ومن سخرية القدر أن كل الجرائم التي بلغت عنها لم يبحثوا فيها قيد أنملة، بل منها ما توبعت بسببه من أجل نشر خبز زائف فافتوني رحمكم الله؛ إذا بلغت فأنت تنشر التزييف وإذا لم تبلغ فأنت تريد الشر للوطن وتمس سلامته الداخلية.
واأقول لكم إنه إذا قدر لي أن أبلغ عن الذبابة فكنت أعلم يقينا أنني سأتابع بجريمة إهانة الضابطة القضائية بالتبليغ عن جريمة خيالية، فأنا مدان في جميع الحالات، سواء بالبوح أو الصياح أو بالصمت.
فهل حكاية ذبابة تستحق المتابعة والتحقيق وسجن عكاشة وتحريك أجهزة أمنية وقضائية وقتها ثمين للغاية ويراد تحريفها عن الغايات النبيلة، وهي القيام بالتحقيقات والأبحاث والمحاكمات الجدية لحماية أمن الوطن والمواطن؟
إن الذبابة أو الحشرة العسكرية روسية الصنع أحرجت الزميل المهدوي ووضعته في دائرة الاتهام؛ لأنه غلب عقله وضميره وتوازنه النفسي والعقلي ولم يثق بسخرية المتصل وبعدم جديته، ولم ير ضرورة لإزعاج الشرطة بنكت وتفاهات حشرية لعينة وبغيضة، فهل سنبلغ عن جميع من اتصل بنا ولو كان هازلا وضاحكا وساخرا ويريد تعكير هدوئنا وسكينتنا بأخبار الحشرات غير القابلة للتصديق أصلا؟
إن أفعال العقلاء تصان عن العبث، ومن العبث التبليغ عن اتصال لا يندرج في إطار مشروع إجرامي متكامل الأركان أو تم البدء في تنفيذه بكيفية لا لبس فيها بأعمال تهدف مباشرة إلى ارتكابه.
فهل الحشرة يعرف نوعها ووزنها ومكوناتها وتاريخ صنعها وكيفية اقتنائها ومسطرة ادخالها والأشخاص المعنيين بها وجدية المشروع ومعقوليته وحقيقة تطبيقه ونفاذه؟
إن هذا المشروع الاجرامي نكتة سيدخل موسوعة غينيز للأرقام والوقائع القياسية الحبلى بالتندر والسخرية؛ لأنه لا يصدقه عاقل ومطلوب من القضاء أن ينتصر للحقيقة عوض الخرافة والفكاهة، وللجزم واليقين بدل الظن والتخمين؛ لأن الوقائع المستحيلة عدمية والعدم لا ينتج أثرا، فكفانا من الفكر العدمي الذي يروج السخرية والأوهام واتقوا الله في هذا الوطن كما قال صاحب الجلالة.