محمد الهيني
أو حل مجلس النواب مقابل التصويت المضاد
ينص الفصل 98 من الدستور على أنه “إذا وقع حل أحد المجلسين، فلا يمكن حل المجلس الذي يليه إلا بعد مضي سنة على انتخابه، ما عدا في حالة تعذر توفر أغلبية حكومية داخل مجلس النواب الجديد”.
وأثار هذا الفصل في الآونة الأخيرة لغطا من بعض أهل السياسة المحسوبين على حزب العدالة والتنمية، ذهب بعيدا في اتجاه وجوب حل مجلس النواب إذا تمكنت الأحزاب التي لا تنتمي إلى فريق حزب رئيس الحكومة المكلف من إنجاح استحقاقها في فوز مرشحها لمنصب رئيس مجلس النواب، وكأنه تكريس لمبدأ حل مجلس النواب مقابل التصويت المضاد لفريق حزب رئيس الحكومة المكلف.
ومما لا شك فيه أن وضوح النص المذكور يمنع كل تأويل تعسفي وسياسوي ضيق يبتعد عن العلمية في قراءة الدستور وينتصر للأهواء السياسية، ولهذا فإن شروط تطبيق الفصل 98 راعت غاية حماية استقرار البرلمان واستمرارية المؤسسات، مع ضمان مبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، من جهة ربطه بشرطين غير متحققين الآن؛ وهما سبق حل أحد المجلسين وعدم توفر أغلبية حكومية، ولسنا أمام حكومة حتى نتحقق من أغلبية حكومية؛ لهذا فإن انتخاب رئيس لمجلس النواب خارج فريق رئيس الحكومة المكلف لن يترتب عنه حل المجلس المذكور، لاستقلالية المؤسسة التشريعية عن السلطة التنفيذية طبقا للفصل الأول من الدستور، ووفقا لما أقره عمليا بلاغ الناطق الرسمي باسم القصر الملكي المؤكد على علوية الدستور باعتباره الحكم بين السلطات، وما تلاه من أمر الملك شخصيا رئيس الحكومة المكلف ورئيس المكتب المؤقت لمجلس النواب بتسريع انعقاد مجلس النواب لانتخاب هياكله للتصويت والمصادقة على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي.
ويبدو خطأ ممن يتبنون قراءة النصوص الدستورية من منطق الأزمة أنهم يؤمنون بتبعية البرلمان للسلطة التنفيذية من منطلق عدم الإيمان بنظرية فصل السلطات، فليس البرلمان إلا تابعا للجهاز التنفيذي، ولا يقبل استقلاليته عنه أو فرضه هو نفسه للأغلبية الحكومية وليس العكس؛ وكأن الحكومة هي التي تنصب البرلمان وتمنحه الثقة؟
ولم يتوقف هذيان هذا الاتجاه عند هذه النقطة، بل اعتبر أن رئيس الحكومة المكلف أو رئيس حكومة تصريف الأعمال يملك حل مجلس النواب، رغم أن الصحيح هو أن رئيس الحكومة الحائزة حكومته على التعيين الملكي بعد التكليف والتنصيب البرلماني، بمعنى أن رئيس الحكومة هو من يملك هذه الصلاحية. فلا يمكن لمن لا يحوز الثقة بمعنى التنصيب أن يسحبها، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. كما أن الفصل 98 يتحدث عن اختصاص الحل الخاضع لسلطة الملك وليس الحل الخاضع لسلطة رئيس الحكومة الذي تنظمه مقتضيات الفصل 104، وشتان بينهما.
ومن المهم البيان أن مطالبة الملك بضرورة تأسيس هياكل مجلس النواب قبل تشكيل الحكومة يعكس تصورا صحيحا لمبدأ فصل السلطات. هذا الفصل هو في حقيقته فصل مرن يؤمن بتعاون السلطات، وهو ما يفسر التدخل الملكي في الموضوع.
ومما لا شك فيه أن الإرادة الشعبية والشرعية الانتخابية التي يتم التباكي عليها اليوم، والمتعلقة بـ125 مقعدا تحجب حقيقة واضحة للالتباس المتعمد المتمثل في تغييب إرادة الأغلبية البرلمانية في مجلس النواب التي تفوق كل هذه المقاعد، وهي التي يفترض أن تقود الحكومة وليس العكس، وإلا كنا أمام رئيس حكومة “إجباري” لحزب مكلف يفرض نفسه على الأغلبية البرلمانية، ولا يقبل أن يعتذر عن التكليف لحماية الإدارة الشعبية الحقيقية المتمثلة في أغلبية أصوات المواطنين المشكلة لمجلس النواب.
احتراما للديمقراطية التي تعني حكم الأغلبية، فليس مطلوبا من الأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية البرلمانية تقديم التنازل لرئيس الحكومة المكلف لتشكيل الحكومة، الذي بات الآن فريقه يشكل الأقلية في مجلس النواب، بل المطلوب هو السعي إلى إقناع الفرقاء الحزبيين بالمشروع الحكومي، وإلا إعلان الفشل للانتقال نحو صيغة أخرى تضمن استمرارية المؤسسات وتحقيق مصلحة الوطن وحماية الخيار الديمقراطي، انطلاقا من دور الملك وفقا للفصل 42 من الدستور، ومراعاة لنتائج الانتخابات وفقا للفصل 47، بعد فشل الحزب المتصدر للانتخابات في تشكيل أغلبيته الحكومية.
وختاما فإن الدرس السياسي المغربي اليوم يفيدنا بأن الحكومات لا تؤسس بالهيمنة السياسية تبعا لعدد المقاعد المحصل عليها مهما كانت أهميتها، طالما لم تحصل على الأغلبية، بل بالحاجة إلى ديمقراطية أخرى تختلف عن ديمقراطية الأرقام والشكل نحو ديمقراطية الجوهر والتقاء الإرادات بالحوار، تبعا للبرامج والسياسات العمومية وليس بالأسئلة والأجوبة بمنطق عسكري وأبوي فج يفتقد لأخلاقيات السياسية وعلمها وفنها المتمثل في الحاجة إلى الآخر؛ لأن الخيار الديمقراطي يتميز بطابعه التكاملي الذي يسهم فيه الجميع.
ولأننا نحكم للوطن وليس للحزب أو الجماعة، فليس بيننا ملائكة في مواجهة الشياطين، ولا أصحاب الجنة في مواجهة أصحاب النار، بل مواطنون في خدمة مواطنين، وكلنا يجب أن نعمل للوطن بدون إرادة الاحتكار، بل بإرادة التعاون والتكاثف واحترام حق الاختلاف والعيش المشترك، وفقا لمبادئ التنافس السياسي الأخلاقي الرصين.