خالد الصلعي
للريف رجاله وأسده ،نساؤه وديهياته ، ومن خلال متابعة تدوينات أصدقائي فقط على صفحتي التي تبنت قضية الريف ، وبعد أن وضعت رؤيتي بين القارئ الافتراضي/ الواقعي في احد المقالات السبقة ، أشرت فيها الى الخصوصيات والتمايزات التي تسم قضية الريف كقضية تاريخية وذات أبعاد أخرى ليس هنا مكان تفصيلها ، قررت متابعة القضية عن بعد ، اما الموقف فهو ثابت ، فلا محيد عن نصرة الحق ، وان اعتمد الكثير ممن أعرفهم طرقهم القديمة لحسابات متجاوزة وطاعنة في الأبعاد النضالية التي تشربوها منذ عقود .
فحين تعتمد النضال كسمة كونية ، يصبح الهتاف من أجل الذات او المحيط مجرد عبث صبياني ، وحين تنطلق من الأنا الجميعية يتحول الأنا الميكروسكوبي المجهري الى مجرد عنصر بسيط يمكن اغفاله في معترك النضالات اليومية الشاسعة .
هناك من يعتمد على النضال الجزئي المتقطع ، وهو محق في ذلك اذا انفتح على كل الأصوات التي قد تساعده وتدعمه من منطلق انساني لا غير ، فالوطنية لا يعرف لذتها وقوتها الا من ناضل بتجرد عن بيئته الصغيرة ، دون أن ينتظر مقابلا . والقومية لا ينتصر لها الا من انفتحت عينه على مساحات أرحب ، اما الانسانية ، فان العدالة تنحني امامها صاغرة رغم قيمتها المقدسة .
قضية الريف قضية محسومة ، بالنظر الى ابعادها التاريخية والاقليمية والدولية . ومن يناصر هذه القضية بتكتيكات ماضوية ، وبعناصر انتقائية ، وبأدوات ايديولوجية ، فالواجب ان نهمس له ان كل هذه الأسلحة تقليدية ولا تنتسب الى عصر السيبرنيقا او تقنيات الخوارزمية .
النضال استراتيجية تنتفتح على المستقبل ولا تعود أبدا لتنغلق على ترهات الماضي . لذلك كان مسار الريف نضاليا منذ انفجار قضية محسن فكري متجها بثبات نحو أفق الانتصار المستبصر . ولا يمكن ان يشوش عليه بطرق بدائية كتجييش الاعلام الانتهازي ، أو اطلاق صرخات وصيحات الوادي . فالقضية أعدل من أن تنحرف الى ما يريده أعداء الوطن الموحد والواحد واعداء الحرية والعدالة الاجتماعية بكل تمفصلاتها .
وقد جرب محترفو الفتنة كل الأدوات ، كان آخرها محاولة تفجير الوضع الى ما لاتحمد عقباه ، وانتبهت وزارة الداخلية الى الأمر ، فعملت على اقالة عامل الاقليم كاشارة صحية الى ربط انزلاق الوضعية وتفجر الوضع بالسلطة المحلية ممثلة في عامل اقليم الحسيمة . وهي بذلك ترسل رسالة واضحة الى جميع الأطراف أن وزارة الداخلية في منطقة الريف تشهد على نفسها انها أخفقت في معالجة الموضوع المعالجة المرضية ، وعليه فان اقالة عامل الاقليم تعتبر اقرارا غير مباشر في اخفاق السلطة في غلق ملف الريف . وتبقى باقي القراءات بمثابة خضر الكسكوس ، او اضاءات اضافية .
فالسؤال الذي يمكن ان يطرحه أي متتبع للقضية ، من أجل عملية تنمية المنطقة الى حدود الساعة ؟ ، ومن عمل على تهميش أبناء المدينة كما يصنع مع باقي مدن الشمال ؟ . ومن بيده حقا حل وعقد قضية الريف ، ولماذا تم استثمار أزمته الى مرحلة اكتشف فيها الجميع أن خسارات الاستثمار أكثر من أرباحها ؟ .
للريف تاريخ ، وللريف رجال . وعلى الجيمع قراءة استمراية نضاله بكل هذا العنفوان ، كما على الجميع ان يقرأ كل التحولات الاجتماعية التي شهدتها المنطقة ، كان آخرها خروج نساء الريف بكثافة لأول مرة للاحتفاء باليوم العالمي للمرأة ، وهي رسالة ذات أبعاد قوية لمن يعرف طبيعة التكوين الاجتماعي لمنطقة الريف .
اقرأوا أخبار النساء اللواتي هاجرن من الريف الى طنجة مشيا على أقدامهن هربا من سنوات القحط والجوع . وهذه عينة فقط .
هو جيل جديد حل بين ظهراننا ، جيل علينا نحن من ضيعنا نضالاتنا بين اتهامات التخوين ، وبين عتمات الاقصاء والتفرد أن نصفق لهم وندعمهم بكل ما أوتينا من خبرات ، وننأى عن وهم الزعامة والأستاذية ، فلكل زمن زعماءه ولكل منطقة زمنها . يرى ريجيس دوبري ان النظرة النضالية اذا فُصلت عن أفقها المعتاد تدور حول نفسها . تحية عالية للشرفاء والشريفات من الريف .