جاك أطالي
مرة أخرى، تطرح قصة مأساوية، حميمية جدا، قضية أساسية يحب أن تسائلنا، قضية تهمنا جميعا. وهي مرة أخرى مرتبطة برهان أساسي بالنسبة إلى كل واحد منا: هل يجب أن نعاند ونصر على علاج مريض يقول الأطباء إنه ميت لا محالة؟ في هذه الحالة يتعلق الأمر بطفل. في بريطانيا – ورغم البركسيت والفوضى التي تلت الانتخابات التي خسرتها تريزا ماي- يتعبأ الرأي العام منذ أكثر من شهر حول حالة تشالي غارد، هذا الطفل ذو الـ10 أشهر فقط، والمصاب بمرض جيني نادر يضعف تدريجيا عضلاته ويدمر دماغه. إذ منذ ولادته، شارلي لا يسمع، لا يرى، لا يبكي، لا يبلع أي شيء، ورئتاه تعملان بفضل جهاز للتنفس.
أمام عجز أطباء المستشفى البريطاني المشرفين عليه، والذين يتمنون وقف ما يسمونه “العناد العلاجي”، يرغب أبواه في أخذه إلى الولايات المتحدة حيث يقترحون عليهما تجريب علاج جيني تجريبي. وبعد حملة إعلامية دامت شهورا، نجح والداه في جمع الـ1.3 مليون جنيه إسترليني الضرورية، وذلك بفضل أكثر من 83 ألف متبرع.
بالنسبة إلى أطباء المستشفى البريطاني، هذا المسار الأمريكي مجرد وهم. وقد أكد أطباء إسبان، تمت استشارتهم، هذا الأمر: حظوظ المقترح الأمريكي في النجاح ضئيلة جدا، ولا يستحق التجربة. لم يستسلم الأبوان أمام رفض الأطباء ولجآ إلى المحكمة العليا البريطانية التي حكمت لصالح المستشفى البريطاني، معتبرة أن مصلحة الطفل أهم من رغبة الوالدين، وأن العلاج المقترح هناك وراء الأطلسي لن يجدي نفعا البتة. وبما أن الأبوين عبرا عن رغبتهما في استئناف الحكم أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (مقرها في مدينة “ستراسبورغ” بشمال شرق فرنسا)، أمرت المحكمة البريطانية باستمرار المستشفى في علاج الطفل إلى حين ظهور نتيجة الاستئناف (…)
في الوقت الذي ترفض المملكة المتحدة (بريطانيا وإيرلندا الشمالية) الخضوع إلى القانون الأوروبي، فإن قضية مصيرية لمواطن بريطاني مطروحة أمام المحكمة الأوروبية: هل للأبوين الحق في تمويل علاج بديل بالخارج لطفلهما، في الوقت الذي يسعى أطباء بلادهم إلى وضع حد للعلاج الذي يعتبرونه دون جدوى ودون أمل؟ هل يسعيان إلى منح كل الفرص الممكنة لطفلهما أم إنهما لا يريدان فقط، الإحساس بالذنب بدون أي اعتبار لألمه؟ هل يتعين منح سلطة القرار في هذه النازلة المصيرية للقضاة أم تركها للأباء؟
بالنسبة إلي، لا أتصور كيف يمكن، أخلاقيا وإنسانيا، حرمان الوالدين من حق بذل كل ما في جهدهما لإنقاذ طفلهما، خاصة إذا لم يكن هذا الأخير في وضع يخول له اتخاذ القرار بنفسه. وأتمنى أن تسمح المحكمة الأوروبية للأبوين بنقل ابنهما إلى الولايات المتحدة (قضت أول أمس بشكل مؤقت باستمرار المستشفى البريطاني في متابعة حالة الطفل إلى غاية اتخاذها القرار النهائي). بطبيعة الحال هناك مشكل آخر طفا إلى السطح اليوم، وهو أكبر من الأول: بما أنه لا يمكن أن نتصور عدم تمويل مثل هذه الحالات عبر طلبات المساعدة، يتعين الحسم فيما إذا كانت السلطات الوطنية تستطيع، (أو كان يجب عليها) تحمل تكاليف أفضل علاج ممكن في العالم لكل مريض يطلبه؛ أو على الأقل لكل طفل يمكن إنقاذ حياته بهذا العلاج، أو يمنحه فرصة التعافي.
ففي الوقت الذي “يتعولم” فيه الطب، مثل باقي المجالات، ويصر فيه الجميع على تلقي أفضل العلاجات المتوفرة عالميا، لم يعد بإمكاننا تجاهل هذا الرهان. حالة الطفل شارلي يجب أن تحثنا على التفكير فيها.