إدريس بنيعقوب
أول تساؤل أنتفض في وجهي وعصف بخيالي وذهني على إثر إصدار وزارتي الداخلية والمالية للبيان “التضامني” مع السيد والي الرباط، بعد ما تحدث الإعلام بجرأة و بطولة، عن استفادته من قطعة أرضية في مكان للثراء العقاري في الرباط، وبثمن بخس مقارنة مع قيمته المالية الحقيقية، السؤال هو أيهما أولى في التكريم والعناية: خدام الدولة والإدارة في مرحلة ما من نموها أم خدام الوطن و رجالاته الذين فنوا و ضحوا بدمائهم و حياتهم في خدمته و إعداده ليكون دولة لها خدام؟
ثم تذكرت سؤال الملك الشهير : أين الثروة؟ عندما قال أن الأغنياء في بلادنا يزدادون غنا والفقراء يزدادون فقرا و بؤسا و شقاء، فقلت في قرارة نفسي ها هي الثروة موقوفة في حالة تلبس و هي تفر من جيوبنا إلى جيوب الخدام ذوي الأيدي و الألباب.
ثم تساءلت أوليس قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وأراملهم الذين في معظمهم يعيشون معيشة ضنكا، معيشة البؤس والشقاء رفقة أسرهم و أمراضهم المزمنة التي يحملونها في أجسادهم، والجميع يعلم أن مبالغ تقاعدهم التي تصرف لهم تتراوح مابين 500 إلى 1000 درهم ناهيك عن وضعية سكنهم و حياتهم أو ليسوا أولى بفتات من هذه الثروة؟
أوليس الذين يدافعون ويرافعون عن الوطن في كل المحافل العالمية عبر بقاع الأرض أو ليسوا خداما للدولة و للأمة و للشعب؟
ما يسمونهم خدام الدولة لا يعدون أن يكونوا مجرد موظفون سامون، يتلقون رواتب سخية و تعويضات جمة من أموال الشعب، تشمل حتى مطابخهم و حدائقهم الغناء. هؤلاء يخدمون الإدارة المتغيرة حسب ظروف الزمان المتبدلة، و كم اكتشفنا من خدام لها كشفهم التاريخ بأنهم كانوا خونة وعملاء، وعدد منهم كانوا جد مقربين من الدوائر العليا وكان لهم من الصولة والهيبة و التقرب ما جعل الناس وقتها تنظر إليهم حاملي سر الدولة بل هم الدولة بالفعل.
وكثير منهم دافعت عنهم الدولة بالبيانات أحياناـ وأحيانا أخرى باضطهاد معارضيهم واعتقالهم، إلى أن تبين أنهم كانوا يخدمون رؤساءهم فقط و يطبقون تعليماتهم التي لم تكن سوى خرقا للقانون و للحريات و الحقوق.
فهل يتفضل سعادة الوزراء وأن يشرحوا للشعب ولهذه الأمة من هم خدام الدولة ومن هم حملة هذه الصفة التي تجيز التمتع بخيرات البلاد وأموال الشعب؟ كنا نظن أنفسنا من خدام الدولة فإذا بنا كنا نخدم شيئا آخر لا يرقى إلى هذه الصفة، فهلا خبرونا عن معايير الولوج لهذه الصفة حتى نعد العدة لنصبح من اليوم فصاعدا من بينهم، لأننا سئمنا خدمة الوطن التي لا تسمن و لا تغني من جوع و سئمنا خدمة هذه الدولة التي تميز بين خدامها برتب و درجات مختلفة. فكم من مواطن بسيط تجاهله التاريخ و خدم الدولة و الوطن و الشعب خير من عشرات الخدام الذين قاموا بأعمال لصالح الإدارة مقابل امتيازات لا نظير لها.
يا معالي الوزراء، من اليوم فصاعدا كل الشعب سيكون من خدام الدولة و على الدولة أن تفتح هذا المنصب للتباري لكل فئات الشعب خصوصا فئة المعطلين حاملي الشواهد العليا، للولوج إلى هذه الرتبة والدرجة الرفيعة في سلم الوظيفة العمومية، لعلهم يظفرون بنصيب من هذا التحفيز العقاري و المالي الضخم، أو قد يبحث الشعب عن دولة أخرى لخدمتها تقدم له ما تقدم الدولة المغربية لخدمتها.
الموظف العمومي هو الموظف العمومي، سواء كان حارس بوابة إدارة أو واليا أو وزيرا، كل يخدم الجماعة المغربية من موقعه، ولا ننسى أن هناك خدام للدولة والوطن لا يظهر لهم حس في العلن وهم الساهرون على سكينة وراحة وأمن الشعب، في مختلف الرتب بل منهم من يبيت الليل في العراء وفي جميع الطقوس لحراسة التراب والممتلكات، وهم أيضا يحق لهم من منطلق خدمة الدولة أن يستفيدوا من الأرض والأموال الطائلة بدل العيش حياة خرساء.
السادة الوزراء تعمدوا مغالطة المغاربة و لم يحدثونا عن مضمون مرسوم الوزير الأول لسنة 1995، هل هو متعلق بمنح الأراضي لخدام الدولة بهذه الصفة، أم فقط متعلق بتعيين لجنة مختصة في تحديد ثمن بيع عقار الدولة الخاص و ليس لها اختصاصات أخرى.
ثم لماذا لم يحدثنا السادة الوزراء عن مرسوم 2004 المتعلق ببعض العمليات العقارية لتفويتها للخواص، شريطة أن يكون الشخص الخاص المفوت له العقار شخصا معنويا في شكل شركة أو ودادية أو جمعية أو غيرها وليس شخصا عاديا، بعد تقديم مشروع دقيق و مفصل يعود بالنفع على الجماعة و على الدولة و هي المعايير و المبادئ التي كان يتعين تطبيقها على السيد الوالي.
السيد الوالي الذي عندما بدأ أشغاله بالرباط ودخل في نزالات مع عمدة الرباط الذي اتهم بحيازة أموال دون وجه حق، قيل إنه رجل صارم وحريص على أموال الدولة والشعب، غير أنه في قضية عقار شارع محمد السادس، اتضح أنه أحرص الناس على حياة.
لذلك ينتظر المغاربة اتخاذ الإجراءات اللازمة في حقه على غرار باقي المستفيدين من ثروة البلاد دون وجه حق.
و لكن ربما و من جهة أخرى أعمق، يحق لنا أن نقول أنه ربما آن الأوان، لأن تعرف وزارة الداخلية في شخص رجالاتها أن زمن قد ولى، كان فيه المال بدون حراس، وأن زمنا جديدا قد ولد تولى فيه الشعب حراسته من منطلق الدفاع المشروع عن النفس و المال، كما آن الأوان أن تصطف هذه الوزارة إلى صف الوطن و المواطن في إطار مهمة إدارية و أمنية، يتقلص فيها دورها السياسي والاقتصادي إلى حدود مقبولة و معقولة.