حميد المهدوي ـ بلغة تهكمية، لا تخلو من “حشيان الهضرة”، دعت افتتاحية “التجديد”، المُقربة من بنكيران، في عددها ليوم الخميس 13 مارس، الهيئات الحقوقيية والنسائية المناصرة، للاستناد على القوانين الدولية، لتحقيق الانصاف داخل الأسرة المغربية، إلى “النزول إلى الشعب ومحاورة أطيافه الواسعة بدل إرسال المواقف من قناعات فنادق خمس نجوم”.
وأضافت “التجديد” موجهة خطابها لأنصار المرجعية الدولية بدل الشريعة الإسلامية: “دعوا أجندات المنظمات الدولية جانبا، فالكل يدرك أنها تريد أن تشطب التشريعات الوطنية بأسرها وتستبدلها بما يوائم فهمها وتأويلهما لمرجعية حقوق الإنسان، ثم حددوا الإشكالية بدقة وانزلوا إلى حيث يوجد الشعب”.
للوهلة الأولى تبدو كلمة ” الاحتكام للشعب” براقة وقمة في الديمقراطية، لكن متى كان الشعب المغربي حرا في إرادته ووعيه حتى يُحتكم إليه، في قضايا نظرية صرفة؟
خطب الجمعة تُملى من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وبرامج التلفزة ونشرات أخبارها وأفلامها ومسلسلاتها كلها تفرض بعيدا عن ذوق الشعب ونخبه الإعلامية، برامج التعليم من ألفها إلى ياءها لا يُؤشر عليها إلا برضى الأجهزة والداخلية، في الشارع العام، أينما وليت وجهك ثمة الملاهي وكل مظاهر الاستلاب الفكري والثقافي، فكيف لشعب، وحالته هذه أن تكون له وجهة نظر، حتى يُحتكم إليه !
ولنفترض جدلا أن هذا الشعب احتكم إليه واختار أطروحة أحد الفريقين، وكانت تلك الأطروحة مزعجة للسلطة ولا تحكم مصالحها، هل تضمن “التجديد” عدم تزوير إرادة الشعب، هل نحتاج تذكير الزميلة بما كتبته قبل أيام قليلة ماضية حول ما جرى في دائرة مولاي يعقوب، في سياق الانتخابات الجزئية؟
ولعل ما يجب الاحتكام إليه في المغرب ليس “وعي” الشعب، الذي هو في غالبيته وعي السلطة، المدسوس في “وعي” الشعب، بل الاحتكام إلى معيش الشعب وواقعه اليومي، هذا الواقع، الذي يتقاضى فيه الذكر في كثير من الحالات، 20.000 درهم، شهريا، نظير وظيفته العمومية، وفي الأخير يطرد أخته الأرملة ذات الخمسة أبناء، من منزل والده، بدعوى أن له “حظين” فيه !
هذه هي المعادلة الواقعية التي يهرب منها “العقل التكراري والاجتراري”، الذي سلطه الله على العرب والمسلمين منذ وفاة ابن خلدون.
إن الشعب لا يكون شعبا، إلا إذا كانت إرادته مُحررة، واعية، يختار تعليمه، نخبه، حكامه، لباسه وخطبه الدينية، أما حالة الشعب المغربي، فنقولها وبكل الألم والحسرة، فهي إرادة مسجونة، إذ لو كانت فعلا إرادة حرة، لما تركت “البهلوانات”، حكومة ومعارضة، ترقص فوق جراح الشعب، وتسيء لماضيه ومؤسساته ودستوره!