(جريدة العلم 1957) ـ الزايع زاغ عن السكة، وانقلب قطاره في أول منعرج، الزايغ انتظر ظهرا ونطق كذبا في حق رواد الحركة الوطنية المغربية.
والقارئ للجزء الأول من مذكراته، يخرج بانطباع كون الحركة الوطنية المغربية، هي في جوهرها مجموعات لصوص وقتلة. وأنها لم تكن قط تعبيرا عن إرادة شعب في التحرر، تعبيرا عن قيم الحرية والانعتاق من رقبة الاستعمار، الزايغ، زاغ معه الكثيرون الذين كانوا ينتظرون المناسبة للتطبيل لشخص معروف باستخفافه بالمغاربة أجمعين، معلقين على مذكراته بكونها ستسقط الكثير من الأساطير، ولعل في مقدمة هذه الأساطير، ولعل في مقدمة هذه الأساطير، أسطورة الزايغ نفسه.
عندما غادر الموكب الملكي القصر متوجها إلى ناحية مكناس لتدشين عملية الحرث كان من المنتظر أن ترى كما هي العادة سيارة عامل إقليم الرباط لتصاحب جلالة الملك إلى حدود إقليم مكناس ولكن لوحظ أن العامل السيد المحجوب أحرضان لم يكن في الموكب، رغم أنه رُؤي في القصر الملكي قبل خروج جلالة الملك بنصف ساعة، مرتديا بذلته الرسمية.
وبعد الإستخبارات تبين أن العامل أحرضان، أخبر أن محله لم يعد بالموكب الملكي، بعدما صدر منه أمس من تصريحات مخلة بحرمة الوظيف الذي كان مكلفا به من طرف صاحب الجلالة وحكومته، فطلب منه أن يتوقف عن كل نشاط رسمي، وأن يلزم بيته، إلى أن يقرر في شأنه.
ولم تمض بضع ساعات حتى صدر من وزارة الداخلية بلاغ يعلن عن التدابير الأولية التي اتخذت في شأن السيد أحرضان وهي تؤكد أخبار التوقيف التي شاعت من قبل.
في التصريح الذي أدلى به السيد أحرضان إلى الصحافة أول أمس والذي استوجب توقيفه من منصبه، ذكر أنه هو المحرك للحزب، الذي يسمي نفسه بالحركة الشعبية، والذي اتخذت في شأنه التدابير الاحتياطية المعروفة، نظرا للشبهة التي تحيط بهذه الحركة وأهدافها ومؤسسيها الظاهريين والخفيين. ومن جملة ما قاله بالفرنسية ما معناه :” إننا لم ننل الاستقلال لنفقد الحري”.
ونريد أن نكتفي اليوم بالتعليق على جملة مثل هذه.
فيمكن لأي أحد أن يتساءل متى طالب السيد أحرضان بالاستقلال أو شارك بالعمل في الكفاح من أجل الحرية والاستقلال؟ فالكل يعلم أن السيد أحرضان تكون في أحضان الجيش الفرنسي، ونحن لا نريد أن نعتبر هذا الأمر شبهة في حد ذاته، لو استطاع السيد أحرضان أن يجعل تجربته العسكرية وتكوينه في صالح الكفاح من أجل الاستقلال في الوقت المناسب.
فبدلا من ذلك كان السيد أحرضان يفضل ممارسة مهنته كقائد في عهد الحماية والاصطياد مع المسيو”فالا” وأمثاله بوالماس، بينما الوطنيون يعذبون في السجون والمؤامرات تحاك ضد محمد الخام.
وكان يكتفي لإرضاء “ضميره الوطني ” بالاتصال سريا وبمزيد الاحتياط ببعض إخواننا ليقول لهم عبارته الأخوية وأسفه الشديد على ما يقع في المغرب.
ويعتبر السيد أحرضان التصريح الذي فاه به أول أمس أمام الصحافيين الفرنسيين فقط بمثابة صيحة رجل حر يثور في وجه الظلم والاستبداد.
ونحن نتساءل: لماذا لم تكن عند السيد أحرضان هذه الغيرة والجرأة، عندما ألقي القبض على الوطنيين من أجل الاستقلال، وكانوا يعذبون ويشردون، عندما أبعد محمد الخامس بعد ذلك بشهور، دفاعا عن سيادة البلاد وكرامتها واستقلالها؟ بل لماذا لم تدفعه حتى أبسط مظاهر الكرامة، إلى تقديم استقالته لصديقه مسيو”فالا” الذي لم يتورع عن عزله بمجرد اتصالاته الشكلية الفارغة. هذا هو الرجل الجريء، الذي يدافع عن الحرية والاستقلال، والذي تقدمه وكالة “فرانس بريس” كأحد قادة محرري المغرب ولسنا في حاجة للتذكير بأن “وكالة فرانس” بريس تعرف ما تعمل.