عماد كزوط – “إتباع التقاليد لا يعني أن الأموات أحياء، بل أن الأحياء أموات”، هكذا تكلم ابن خلدون في واحدة من أهم أقواله التي ظلت “محفورة” في ذاكرة “العقل الإسلامي”، وكأنه سبق بـ”مقولته” هاته نوابغ فلاسفة التنوير الأوربي”فولتير, ديدرو, دلامبير …” ، الذين سحبوا البساط من تحت أقدام السلطة الكنسية في عز جبروتها.
النشأة والمسار
كُتب لـ”هرم الفكر العربي” أن توافيه المنية، في مثل هذا اليوم، بعد أن نشأ داخل أسرة لها من العلم والمعرفة الشيء الكثير. ولد ابن خلدون في تونس عام 1332، حفظ القرآن، وهو في الثانية عشر من عمره على يدي أبيه، قبل أن يلتحق بجامعة القرويين ليتلقى معارفه الأولى عن الآبلي وابن مرزوق فكان بذلك لسان الدين ابن الخطيب الآثار العظيم في تكوينه.
امتاز ابن خلدون بسعة اطلاعه على ما كتبه القدامى على أحوال البشر وقدرته على استعراض الآراء ونقدها، ودقة الملاحظة مع الحرية في التفكير وإنصاف أصحاب الآراء المخالفة لرأيه.
ابن خلدون الوسيط
كان لابن خلدون خبرته في الحياة السياسية والإدارية وفي القضاء، إلى جانب أسفاره الكثيرة من موطنه الأصيل تونس وبقية بلاد شمال أفريقيا إلى بلدان أخرى مثل مصر والحجاز والشام، أثر بالغ في موضوعية وعلمية كتاباته عن التاريخ وملاحظاته.
بسبب فكر ابن خلدون الدبلوماسي الحكيم، أرسل أكثر من مرة لحل نزاعات دولية، فقد عينه السلطان “محمد بن الأحمر” سفيرا إلى أمير قشتالة لعقد الصلح وبعد ذلك بأعوام، استعان أهل دمشق به لطلب الأمان من الحاكم المغولي تيمور لنك، والتقوا بالفعل.
آثار علمية خالدة
تتحدد أهم مؤلفات ابن خلدون في كتابه الشهير “العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر”، يضم “مقدمة” أخدت صيتا عالميا لما فيها من رصانة وعمق في تحليل التاريخ الإسلامي ناهيك عن دراسة جغرافية لمعظم أركان العالم، وهي ما يطلق عليها “مقدمة ابن خلدون”، هذا إلى جانب كتابي “شفاء السائل لتهذيب المسائل” و “التعريف بابن خلدون ورحلاته شرقا وغربا” (مذكراته).
موقع ابن خلدون في تاريخ الفكر الإسلامي
كان ابن خلدون المؤسس الأول لـ”علم الإجتماع” آخر عباقرة الفكر العربي بعد وفاة العلامة ابو الوليد ابن رشد، ليدخل الفكر العربي الإسلامي أطوارا جديدة بمجيء جيل جديد ابن العربي والسهر ودي … سحبوا البساطة من تحت “أقدام العقل” ليسود مكانه التصوف، وهو ما يطلق على هذه المرحلة بمرحلة الجمود.
و استمر العالم العربي على هكذا الحال إلى أن تفاجئ بمد استعماري في أواخر القرن 18 “هز” كيان الشخصية العربية “صدمة الحداثة”، قبل أن تحمل نخبا عربية مشعل تاريخ جديد أطلق عليه “النهضة العربية” الأولى كانوا أبطاله محمد عبدو، عبد الرحمان الكواكبي، الطهطاوي، طه حسين … قبل أن يصل جماح محاولة الخروج من براثين “التخلف” إلى مجرحي “العقل الإسلامي” محمد عابد الجابري ومحمد أركون.
مات ابن خلدون، ومنذ وفاته، دخل العرب والمسلمون ما يسميه المفكر الجزائري محمد أركون، بمرحلة “العقل السكولاستيكي” أي العقل التكراري الإجتراري، الذي ظل يدور في حلقة مفرغة، فكان الاستعمار والتخلف على جميع الأصعدة حتى كتابة هذه السطور..