عماد كزوط – لا يكاد الحديث ينقطع عن مناقشة الدور الذي تلعبه الصحافة الوطنية في تعاطيها و مقاربة النظام السياسي في تدبير الشأن العام، فحسب استطلاع للرأي أجرته إنصاف بريس بهذا الخصوص، خلصت إلى أن غالبية النخب السياسية والثقافية، فقدت الثقة في ما يسمى بالإعلام الوطني، مؤكدة على النقد والنقد البناء باعتباره الحل الكفيل بتحقيق الانتقال الديمقراطي، بدل أن تُطَبْطِبَ على ظهر الدولة العميقة أمام المحافل الدولية.
على هذا الأساس أبت “إنصاف بريس” إلا أن تحلل هذا الرأي، معتمدة في ذلك على أسماء حقوقية ثقافية سياسية وازنة بناءا على إشكالية مفادها: ما حقيقة هذا القول؟ وإذا كان الأمر صحيحا فما الأسباب الكامن وراء ذلك؟
الإعلام بين الوطنية والارتزاق
يستهل الباحث في العلوم السياسية والاجتماعية، وعضو المؤتمر القومي الإسلامي، وعضو مؤسس حركة الديمقراطيين في الخارج عبد السلام الغازي، حديثه لـإنصاف بريس مؤكدا على أن الإعلام في المغرب لا يمكن آن ننظر إليه بهذه النظرة الشمولية أي أنه منحازا أو مسلطا عليه أو انتهازيا، فاعتبار الأمر على هذا النحو في اعتقاد الغازي يعتبر تحاملا على الإعلام ونظرة سوداوية في واقعنا المجتمعي.
بيد أنه في المقابل يرى عبد السلام الغازي « أن الإعلام الذي لا يقوم بالأدوار الملقاة على عاتقه، أبرزها الغوص بين سراديب حقائق النظام من أجل تقريبها للرأي العام، والبحث في تفسير منحيات تقدم المجتمع وتأخره بشكل يرقى لأن يكون موضوعيا، دون أن تنسى وضع كافة السلطات: التنفيذية والتشريعية والقضائية، ضمن ميزان نقدها دون تمييز، فإننا عندئذ يصح أن نعتبر الإعلام إعلاما مرتزقا أو ذلك الإعلام الذي مثله كمثل التاجر الذي يوهم الناس بحسن بضاعته ولكن في حقيقة الأمر نسيب هذه البضاعة كلها مغشوشة، فيكون بذلك هذا التاجر ليس له إلا صفة الربح بجميع الطرق الملتوية ».
ويضيف الغازي في سياق حديث، أن الإعلام يلزم أن يقدم لمجتمعه الصورة الحقيقية كما هي، لا يقبل أن يتحامل على أي جهة كما كانت وكيفما كانت، لأنه ينطلق من فكرة مفادها: أن المجتمع جزء لا يتجزء وأن المصلحة العليا هي مصلحة الوطن، قبل أن يختتم قوله أن الإعلام الذي يصطنع الأحداث ويفبرك الأشياء كما يريد أن يقدمها لمن يحركه من وراء جذور هو إعلام مرتزق لا يعير أي اهتمام لمصلحة الوطن والمجتمع.
الدولة العميقة تنفق أموال الشعب لتدجين الرأي العام
وفي تصريح يختلف عن سابقه يؤكد محمد السلمي عضو الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، لـإنصاف بريس، بأن زمن الإعلام الرسمي في العالم انتهى، والدولة العميقة في المغرب تعيش على الماضي في جل ما تدبره من مجالات وقضايا, وتنفق من أموال الشعب لإحياء الأموات، معتبرا هدفها الانفراد بصناعة الرأي العام وتوجيهه، والتعتيم عن فشل السياسيات الرسمية ولوبيات الفساد المتحكمة في كل شيء، واستقطاب النخب الانتهازية، وإقصاء المعارضة الجادة. و يضيف السلمي قبل ختام قوله إذا كان تحقيق بعض هذه الأهداف ممكنا في ظل الرداءة العامة السائدة، فالنتيجة في نهاية المطاف قتل مصداقية هذا الإعلام. وبالفعل لم يعد المواطن المغربي يثق في إعلام الدولة، ولم يعد نيتظر منه شيئا. والمستقبل للإعلام الحر الذي يفرض وجوده بالجودة العالية والمصداقية.
الإعلام صهر المجتمع في الأحداث إلى حد التُخمة
أمام هذا الموقف وذاك، يؤكد أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس عبد السلام بن عبد العالي في كتابه ضد الراهن، بأن الإعلام اليوم لم يعد يخبرنا عن الواقع بقدر ما أصبح يصهرنا فيه إلى حد لم نعد نميز فيه طبيعة الخبر، مضيفا أنه بدل أن يخبرنا الإعلام عن الوقائع في بعدها التاريخي، صرنا نضيع في جزئياتها حتى أصبحت الأحداث تتحلل وتتفتت إلى حد التخمة، فيتم عن طريق ذلك تحويل الحروب إلى معارك متفرقة والانقلابات إلى سلسلة من الفتن والاحتلال إلى محاولة للإصلاح، هكذا أصبح الإعلام بؤرة للتوتر وخلق الصراعات يضيف بن عبد العالي.
ويختتم بن عبد العالي قوله بالتأكيد على أن المفكر الفرنسي فيريليو كان على حق حينما قال أن الإعلام هو حرب، و الفلسفة هي مواجهة صريحة الإعلام باعتبارها محاولة لاسترجاع قدرة التمييز بين الخبر من أجل زرع حس الاختلاف والانفصال في المجتمع.
بهذا تكون المواقف التي تم عرضها قد تباينت رآها بين من فقد الآمال كليا في موضوعية وسائل الإعلام وبين من دعا إلى تجاوز النظرة السوداوية التي غطت أعين البعض على الرغم مما نراه في الواقع الإعلامي، دون أن يكون أي اختلاف بينها في مدى تأثير هذا الأخير إزاء توجيه الرأي العام حسب الذوق الذي يُرَاد، إذا السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح : ما الآليات التي يمكن اعتمادها حتى يتم خلق إعلام وطني لا يساوم في موضوعية مقاربته في قضايا تدبير الشأن العام من اجل بناء غد مشرق ؟