عماد كزوط ـ أمام أحد المتاجر الكبرى “أسواق السلام” بمدينة القنيطرة، يجتمع بعض السوريين الذين اختاروا اللجوء إلى المغرب من اجل حماية أنفسهم.
“القنيطريون طيبون”
يتخذ اللاجئون السوريون من هذا المكان تحديدا مقرا لاسترزاقهم عن طريق التسول، وأما لماذا اختاروا القنيطرة رغم استقرارهم بالعاصمة الرباط؟ فتحكي الفتاة زينب لـ”إنصاف” أن اختيار بعض السوريين لعاصمة الغرب بالضبط يعود لطيبوبة سكان المدينة وتعاطفهم مع الآخر، مسترسلة في السياق ذاته أن هناك جهات معينة هي من نصحتهم باللجوء إلى القنيطرة لما يتسم به سكان المدينة من طيبوبة وكرم وإحساس بالآخر.
يقضي السوريون المتسولون قرابة خمس ساعات في اليوم من الخامسة مساء حتى التاسعة ليلا، قبل أن يستقلوا سيارة أجرة مباشرة إلى محطة القطار ليعودوا من حيث أتوا نحو مقر سكناهم قرب “أوطل” إفريقيا بالعاصمة الرباط، مشيدة رفيقة الفتاة زينب، التي رفضت الإفصاح عن إسمها، بـ”الطيبوبة والمعاملة الرائعة للجيران المغاربة القاطنين بجوارهم قرب اوطل إفريقيا”.
تجلس زينب ورفيقتها كل مساء أيام الاثنين، الجمعة، و الأحد على الساعة الخامسة زوالا، على عتبة عمود الإنارة الموجود بمستودع السيارات أمام المتجر، بلباس محتشم يغلب عليه لون السَّوَادْ، يبلغان من العمر 17 سنة معهن ثلاث أطفال بينهم طفلة، الأول له شعر رطب وجذاب ساقط على عينيه البنيتان، يرتدي بنطلون و قميص “قُبِّيَة”، والأخر شاحب اللون، علامة الفقر تلوح من عينيه، كما أن الفتاة الصغيرة محجبة بحجاب أسود مرتدية بنطلونا وقميصا سوداوان تبدو الآلام و المعاناة ظاهرة من عينيها.
“أخي أَنَا أَخُوكَ سُوِري بَدِّي مُسَاعَدَة”
يتفرق المعنيون بين السيارات، التي تقف في مستودع السيارات أمام المتجر، متحدثين “أخي أَنَا أَخُوكَ سُوِري بَدِّي مُسَاعَدَة”، وبعد جولة وأخرى بين السيارات وداخل المتجر يأتي الطفل ناصر ومعه بعض النقود التي حصَّلَ عليها أثناء الجولة لأخته زينب الجالسة تحت عمود الإنارة.
من جحيم إلى جحيم
تحكي زينب لـ”إنصاف” عن معاناة فظيعة عاشتها بسوريا، وعن الظروف التي دفعتهم للرحيل عبر لبنان ثم مصر وصولا إلى الجزائر وبعد ذلك إلى المغرب، بعد أن أخلت سبيلهم السلطات الجزائرية بأسبوع من وصولهما الجزائر.
وتروي فتاة أخرى لم ترد الإفصاح عن إسمها، قائلة:”بسوريا قصف مستمر ودمار في دمار معاناة صعبة جدا، الغربة الافتراق عن الأب حيث تركناه يقاتل مع الجيش الحر ضد قوات جيش الأسد، شيء صعب للغاية”، مسترسلة انها ستمكث بالمغرب لبعض الوقت ثم تعود أدراجها إلى سوريا حيث الأهل والأقرباء.
قبل ثلاث أشهر دخلت زينب ورفيقتها المغرب، فيما الأطفال الثلاث، فيهم من دخل قبل أسبوع ومنهم من دخل قبل ثلاثة أيام من يوم الاثنين 29 يناير المنصرم، يحكي الطفل ناصر وأخته زينب عن معاناة رحلة سفرهما إلى المغرب، في البدء تم نزوحهم إلى لبنان وبالضبط لبيروت بعد ذلك اتخذوا وجهتهم عبر مصر إلى الجزائر؛ حيث استقروا لمدة أسبوع هناك ومن ثم شدوا رحيلهم إلى المغرب، “لكن لماذا غادرتم الجزائر” تسأل “إنصاف” فترد زينب: “ما في الجزائر استقرار، فضلا عن المعاملة السيئة للسلطات الجزائرية”، مشيرة إلى أن الأخيرة أجبرتهم على الرحيل، مستدركة بأنه لم يكن الكل يعاملهم بشكل سيء بالجزائر، فكان ذلك هو الدافع لنزوحهم لوجدة؛ حيث احتضنتهم إحدى الجمعيات لم يتذكروا اسمها، ليتخذوا بعد ذلك وجهتهم نحو الرباط؛ حيث مقر سكناهم هناك.
و تروي اللاجئة زينب أن السلطات المغربية قدمت للاجئين السوريون إقامات سكنية، فيما البعض ينتظر دوره حيث وعدتهم السلطات أن كل لاجئ سوري سيتمكن من الحصول على إقامة سكنية.
ألف درهم يوميا من التسول في القنيطرة
حليمة السعدية، وهي صيدلية بباب متجر أسواق السلام، تتابع كل كبيرة وصغيرة حول السوريين المعنيين متحدثة عن كيفية تسولهم قائلة: إن معاملة زبائن المتجر معهم معاملة جد طيبة، كما يساعدونهم بشكل كبير ” إِلَى مَدَّاوْشْ كَيْدِّيوْ عَشْرينْ أَلَفْ رِيَالْ فَنْهَارْ” تقول حليمة، مضيفة أنه إذا كان هؤلاء يحصلون على هذا المبلغ في اليوم فكيف لهم أن يفكروا في البحث عن عمل؟
وبالرغم من ذلك تحمل الصيدلية حليمة كافة المسؤولية للمسؤوليين المغاربة لعدم توفير هؤلاء اللاجئين العيش الكريم ليفرض عليهم الأمر بعدم التسول.