إنصاف بريس
خالد أوباعمر – في الدول الديمقراطية التي تحترم فيها حقوق الإنسان وتصان فيها الحريات العامة بشكل عام، لا زال من الممكن، الحديث عن الصحافة كسلطة رابعة أو كمدعي عام للشعب، وعن دور الصحافة في تشكيل الرأي العام، أو الوعي المجتمعي، على المستويين الداخلي والخارجي.
في مثل هذه الدول، من الصعب جدا الحديث عن إخضاع الصحافة بالكامل لمزاج السلطة أو الأحزاب أو جماعات الضغط، هناك هامش كبير متاح للسلطة الرابعة من أجل القيام بوظائفها الرئيسة، خارج سلطة الأمر أو النهي أو الزجر، كما يحدث في العديد من الدول الاستبدادية، التي تحولت فيها الصحافة من سلطة رابعة أو مدعي عام الشعب، إلى خادم مطيع وبوق للدعاية ووسيلة لتشكيل رأي عام على مقاس الحكام المستبدين.
غير أنه في دولة مثل المغرب، يصعب على الباحث الموضوعي نفي وجود هامش متاح في مجال حرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر، وفي نفس الوقت، سيكون من الحمق مما كان التصديق بأن مستوى الصحافة المغربية في الظرفية الراهنة يسمح بوصفها سلطة رابعة أو مدعي عام للشعب.
الصحافة في مملكة الاستثناء محكومة بتوازنات خاصة محددها الأساس هو الربح المادي. صحافة مقيدة بخطوط حمر لا يمكن تجاوزها، وإذا تجرأت وفعلت ذلك، فإن تنزيل العقاب المناسب في حقها، والذي تتعدد وسائله حسب منسوب الجرأة في تجاوز تلك الخطوط، يصبح مسألة وقت لا أقل ولا أكثر.
بهذا المعنى، تبقى حرية الصحافة في المغرب حرية محروسة ومقيدة، ويبقى الهامش المتاح من خلالها لحرية الرأي والتعبير، خاضعا لتتبع ومراقبة وتقييم حراس المعبد الإعلامي في المملكة.
ترك الصحافة في المغرب تلعب أدوارها الطبيعية في ظل وجود ثقافة سياسية تزاوج بطريقة تعسفية بين الحداثة والتقليد أمر من الصعب جدا توقع حدوثه لاعتبارات ترتبط بطبيعة المجتمع من جهة وبمفهوم الدولة لوظيفة الصحافة من جهة ثانية.
النقاشات التي تتفجر بين الفينة والأخرى في مواقع التواصل الاجتماعي، حول استقلالية الصحافة المغربية في تعاطيها مع العديد من القضايا ذات البعد الوطني أو الدولي الحساس، غالبا ما يتم التركيز فيها على توجيه ” المخزن” لوسائل الإعلام من أجل تشكيل رأي عام وطني أو وعي مجتمعي وفق مقاسه.
في القضايا ذات الطبيعة الوطنية، يمكن الاتفاق، على أن لجوء ما يسمى بــ”المخزن”إلى الإعلام بكل تصنيفاته، يكون في غالب الأحيان محكوم بهاجس ضبط الرأي العام وتشكيل وعيه المجتمعي بما ينسجم مع رؤيته للدين أو الحرية أو الأمن والاستقرار أو السلم الاجتماعي أو العلاقات الخارجية…
غير أنه في القضايا الدولية، لا أعتقد أن لجوء”المخزن” إلى توجيه الصحافة، أو استعمالها في الدعاية أو التسويق الدبلوماسي والسياسي للمواقف الرسمية تكون الغاية منه هي تشكيل رأي عام وطني.
المخزن في تعاطيه مع الأحداث والوقائع والمواقف الدولية، لا يهمه حجم تفاعل الرأي العام الوطني معها، وهناك الكثير من الوقائع الدالة التي تؤكد رجاحة هذا القول.
عندما حدث الانقلاب العسكري في مصر، لم يبالي صانع القرار السياسي الخارجي في المملكة، بحجم التفاعل السلبي للرأي العام الوطني والصحافة الوطنية مع هذا الانقلاب، بل تفاعل تدريجيا وبشكل ايجابي مع الحدث، إلى أن وصلت الأمور حد إشادته بما سمي بالتحول الديمقراطي الذي أعقب ثورة 30 يونيو !!!
وبعد أن ضرب الفيضان عدد من مناطق المغرب العميق ” الجنوب الشرقي” كان حجم التفاعل المجتمعي مع الفاجعة كبيرا، وطالب المغاربة من الدولة إعلان الحداد الوطني وتنكيس الأعلام حزنا على أرواح الضحايا. ماذا كانت النتيجة؟
لم تبالي الدولة بمطلب الحداد وتعاملت مع الفاجعة وفق رؤيتها الخاصة لهذا الحدث المأساوي الذي كشف زيف شعار التنمية وهشاشة وضعف البنيات التحتية وتخلف وسائل الدولة وغياب إستراتيجية فعالة لمواجهة الكوارث الطبيعية..غير أنه عندما توفي الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز بادرت الدولة بشكل فوري، وفق تقديراتها الدبلوماسية، إلى إعلان الحداد وتنكيس الأعلام حزنا على رحيله لمدة ثلاث أيام على غرار ما فعلته دول أخرى.
هذا القرار، يمكن تفهم مبرراته من الناحية الدبلوماسية، لكنه يضع الدولة، التي رفضت إعلان الحداد على عشرات المغاربة ضحايا فيضان الجنوب الشرقي، في موقف حرج، وهذا ما يمكن تلمسه من خلال تفاعل المغاربة في شبكات التواصل الاجتماعي مع قرار المغرب إعلان الحداد حزنا على رحيل الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز مع تنكيس الأعلام لمدة ثلاث أيام.
عندما توترت العلاقات المغربية الفرنسية بسبب استدعاء مدير المخابرات المدنية، عبد اللطيف الحموشي، اتخذت الدولة قرار وقف اتفاق التعاون المغربي الفرنسي في المجال القضائي من جانب واحد، دون أن تفكر الدولة في الرأي العام، لأن القضية بالنسبة لها حساسة وترتبط في العمق بسيادة الدولة وبسمعة وكرامة وأمن أحد رموزها السيادية.
عندما يستعمل “المخزن” قنواته الإعلامية من أجل تمرير موقف أو رسالة معية لطرف خارجي، فهو لا يرغب في تشكيل رأي عام وطني داعم لمواقفه، لأنه بكل بساطة لا يحتاج إلى ذلك، مادام أنه يملك سلطة القرار الخارجي ولا أحد يستطيع مزاحمته أو مناقشته في اختياراته، مادام أن المجال محفوظ ولا يسمح لأي جهة أن تقترب من ملفاته الحارقة..
عندما أراد “المخزن” أن يوصل رسالته إلى النظام الانقلابي في مصر، لم يجد أي حرج في دفع القناتين العموميتين الأولى والثانية لتأدية المهمة دون أن يكون لرئيس الحكومة ووزيره في الاتصال أي علم بذلك…
وبعد بروز حركة 20 فبراير، التي رفع شبابها شعارات قوية طالبوا من خلالها، برحيل شخصيات نافذة في الدولة، وبربط المسؤولية بالمحاسبة، وبفصل السلطة عن الثروة، لم يتردد المخزن في استعمال ذخيرته الإعلامية لوأد هذه الحركة في المهد وكانت البداية بقصاصة لوكالة المغرب العربي للأنباء..
وعندما بدأ يكبر حجم التفاعل المجتمعي مع تسريبات “كريس كولمان” لعدد من الوثائق ذات الطبيعة الاستخبارية والدبلوماسية ولرسائل البريد الالكتروني لعدد من الشخصيات الإعلامية ، من خلال ما تنشره مجموعة من المواقع الالكترونية، التي لا ينظر لها المخزن بعين الرضا، دخل هذا الأخير على الخط، فبدأنا نقرأ عن تلك التسريبات، خبر هنا وخبر هنالك، ورواية هنا ورواية هنالك..
من هذا المنطلق، لا ينبغي خلط الأمور في فهم خلفيات وسياقات توجيه ما يسمى بـــ” المخزن” للإعلام، فعندما يكتب ” على سبيل المثال لا الحصر” الصحفي المختار الغزيوي مقال ” نحن والسعودية” الذي يمدح فيه النظام السعودي الذي لا يؤمن بقيم الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فالغاية من وراء هذا المدح أو الإطراء، ليس هي تسويق صورة ايجابية عن النظام السعودي لدى الرأي العام الوطني المغربي..
إن الغاية التي تبرر الوسيلة، بحسب المنطق “الميكيافيلي” الذي يقوم على الخديعة والمكر، هو بعث رسالة إلى الحكام الجدد/ القدامى في مملكة النفط، للتأكيد على أن الدولة المغربية، بكل مكوناتها ” الملك، الشعب، الحكومة، البرلمان، الإعلام” حزينة على رحيل الملك عبد الله، وفي نفس الوقت، مسرورة بالانتقال السلس للملك من الملك القديم إلى الملك الجديد..
هذا هو أصل الحكاية، ولا تستغربوا يا معشر المناضلين في المارد الأزرق ” فيسبوك” إن رأيتم الصحفي ” الحداثي” المختار يقدم العزاء في وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، والتهاني لأخيه غير الشقيق، الملك سلمان بن عبد العزيز، في مقر السفارة السعودية بالرباط، وهو جالس على مائدة واحدة مع سفراء الوهابية في المغرب.
المختار الغزيوي، ولد لكي يكون حرا، والحرية تمنحه كامل الحق في الاختيار. افعل ما تشاءه صديقي المختار. من حقك أن تكتب مقال ” نحن والسعودية” الذي أخبرتنا فيه أن الملك السعودي الجديد سيكون محاطا بإخوته من أجل استكمال مسيرة التنمية الكبرى، كما كتب من قبلك المفكر محمد عابد الجابري رحمه الله كتابه ” نحن والثرات”.
اسمك عزيزي المختار، يعطيك كل الحق في اختيار العبارات والجمل والمواقف التي تروقك، فلكل مقال مقام، ولكل ظرفية قاموس خاص. الله يرزقنا غير الصحة والسلامة وراحة البال..