عصام واعيس
تعتزم الدولة فرض رسوم على التعليم في السلكين الثانوي والجامعي، في وقت بدأت فيه تعويم الدرهم (إجراء تفوق أضراره منافعه في الاقتصاديات الخائرة)، وفي غياب وزير مشرف على القطاع، وبتوصية من مجلس، مع كل التقدير والاحترام لجهوده، يبقى استشاريا، لا تقريريا.
كان الأجدر أن تبرهن الدولة أولا، على أنها تتعامل مع التعليم على أنه استثمار مهم وصناعة ثقيلة. وتثبت ذلك بالنتائج. وتسوّق بعدها هذا الاستثمار المربح للشعب وتطالبه بمدها بالمزيد لتمويله (على اعتبار أن المواطن يموله بشكل غير مباشر عبر الضرائب). تفاوضه بعدما تكون حلّت القسط غير المادي من المشاكل الذي يقع على عاتقها. تلك المشاكل المتعلقة بتصميم رؤية جامعة متحررة من هواجس التنشئة على الولاء للتيار الغالب، وحل أعطاب التدبير التربوي والتخطيط وتحضير المناهج والابتكار، وهي كلها عناصر غير ماديّة، أثبتت التجارب السابقة أن تعبئة الأموال وتخصيص الميزانيات الضخمة لا تجدي نفعا في حلّها. مقاربة مماثلة كانت لترفع من حظوظ “هضم” قرار مماثل، وساعتها يمكن النظر إلى الأمر على أنه خطوة لحماية تعليم رفيع من التقهقر لا ضربا لمجانيته، أما والحال غير ذلك، فيبدو الأمر أقرب إلى دولة تريد فك كرباتها مع المؤسسات الدولية المقرضة من جيوب المغاربة، بعد تقسيمهم إلى فسطاطين، فقير وميسور، وتمرير قرار على هذا من جيب ذاك. أما القسط الفاحش الثراء، فذاك الثالث المرفوع!
أي منطق هذا الذي يريد من المغاربة تسديد قسط مهم من ثمن خدمة سيئة ورديئة لا تفتح آمالا كبرى، ولا تمد جسورا صلبة نحو ضفاف الازدهار. تقول تقارير غير مؤكدة إلى الآن، قد تُفرض المساهمات على الأسر التي يفوق دخلها في المجموع 20 ألف درهم فما فوق، حسب بعض ما تسرب عن التصورات الممكن أن يفصلّها النص التنظيمي، الذي يطبق مضامين مشروع القانون الإطار الخاص بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي بعد المصادقة عليه. هذه طبقة عريضة من الأسر، بديهيا ليست أعرض من تلك الموجودة أسفل منها، لكن هذا لا يعني أن أصحابها من “البردقيز” أو بقايا الاستعمار. إنهم مغاربة سيؤدون مقابل تدريس أبنائهم في مدارس الدولة رسوما: هذا اسمه إلغاء مجانية التعليم العمومي للمغاربة كل المغاربة. لازال بالإمكان على كل حال القيام بتعديل بسيط يوقف الجهات المعنية بتمويل الصندوق الخاص لدعم عمليات تعميم التعليم الإلزامي والرفع من جودته عند “الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية ومساهمات القطاع الخاص وشركاء”.
المغربي اليوم، على اختلاف ترتيبه في سلم “اليسر الحكومي”، يخصص بدوره نفقات إضافية من أجل سد النقص الحاصل في جودة التعليم الذي يحصل عليه أبناؤه. يقتطع من دخله قسطا شبه قار لأستاذ الرياضيات والفرنسية والعربية والإنجليزية والتاريخ والجغرافيا والفيزياء ليدرّس أبناءه في ظروف أفضل، أو لأنه مضطر لذلك، لأن الأستاذ يقايض التلاميذ بالتسجيل في دروس المراجعة التي يفتحها في منزله، أو لأن الأستاذة الفلانية تستفيد من عطلة الولادة ولا من يعوّضها والامتحان على الأبواب، أو لأن مستوى ابنه ضعيف ببساطة ويحتاج إلى دروس تقوية ليلحق بالركب، وإلا سيكون مهددا بالتكرار أو الطرد، وهذا التردّي يعود لأن النظام التعليمي سمح لابنه بالنجاح تطبيقا للمحاصصة، وبعيدا عن شروط الاستحقاق. ثم قد ينفق المغربي على ابنه مرة أخرى بعدما يتخرّج من كل هذا العناء.. حينما يكتشف بعد سنوات مريرة أن التعليم العمومي يسبح في واد، وسوق الشغل في واد آخر، وأن الدولة لم تكن جادة يوما في تلقين ابنه تعليما يولّيه منصبا رفيعا أو يؤهله لفتح مقاولة.. الدولة كانت تجرّب فقط.. تجرب خططا وبرامج.. ولازالت تجرّب..