في البداية أقول ما يُترك عادة لآخر الكلام: لا أحب سينما المخرج نبيل عيوش، كما لا أنتمي لضَرْب “مغربيته” فليس فيه ما يجمعني به سوى الجِلدة، أي ما يقتصر على الجانب البيولوجي فحسب، كل واحد منا ينتمي لمغرب يختلف عن الآخر.
لكن (بالبنط الكبير العريض الغليظ) أجد نفسي معه قلبا وقالبا في حقه أن يختار الموضوع الذي يريده من الزاوية التي تُناسبه بالمضمون الذي يجذبه.. إنه حق مُقدس بكل المعايير. هذه مسألة لا تخضع للنقاش في عندياتي.
لنطرح هذا السؤال: لماذا كل هذه الضجة حول جزء “مبتور” من فيلم تضمن كلمات حرة منطلقة بين أربع عاهرات وقواد.. كلمات من قبيل: “قحبة” و “الزامل”.. إلخ؟ فهل يتعلق الأمر بكلمات غير موجودة أصلا وفصلا في مجتمعنا المغربي؟ إذا لم تكن موجودة واستقاها مخرج فيلم “الزين لي فيك” من قاموس “مُنحط” لمجتمع آخر “داعر فاسد” ونسبها ظُلما للمجتمع المغربي “الطاهر العفيف” فحينها يجب عرضه على خبرة نفسية عقلية وترك الطبيب المختص يصف علاجه المناسب، وانتهى الأمر.
لن نجيب على السؤال أعلاه، فتوضيح الواضحات من المفضحات، كما يُقال.
قال بعضهم، إن وجود الدعارة والعاهرات والعبارات “الخادشة للحياء” في المجتمع لا يبرر التطرق لها في فيلم بدعوى أن ذلك يمس ب”سمعة البلاد”..
نعم إنه رأي ويجب الإستماع إليه ومُناقشته..
لماذا من فضلكم لم تُثر حميتكم على سمعة البلاد مشاهد من قبيل ما عرضته قنوات أجنبية فرنسية أساسا، وتم التطرق لها مغربيا في وسائط التواصل الإجتماعي ومواقع إلكترونية.. مشاهد أطفال مغاربة تُعرض مؤخراتهم الغضة لل”الفريع” لقاء حفنة أوروات تمدها أيدي نتنة بعروق نافرة لعجزة أجانب بيدوفيليين؟ وماذا أيضا عن فضيحة فقيه “شيشاوة” الذي ضُبِط بالجرم المشهود وهو يعتلي طفلا ضعيفا؟…
لندع “العزف” على وتر الأخلاق الزائفة، فهو أمر مقرف حد الغثيان.
كيف يستقيم مُهاجمة مخرج سينمائي لأنه تطرق فنيا لموضوع الدعارة، ونترك ملفات سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية… توجد في أوضاع مُحرجة تقلق الحاضر وتقتل المستقبل؟
ما هذه السكيزوفرينيا القاتلة؟
أعتقد أن “اجتهادات” الدولة المغربية منذ صدر الإستقلال إلى الآن في “صنع” المجتمع الذي “يُناسبها” أنتج القطيع الذاهب إلى حتفه بعيون مفتوحة وعقول مسدودة. وهو لعمري خطر ماحق على الصانع والمصنوع. كيف؟
إن المجتمع الأعمى يُمكن أن يبوئك المكانة العليا اليوم لسبب ما، مثل مُجازاتك لمحاكمتك ومعاقبتك لمخرج فيلم لا يُعجبه، نفس المجتمع يُمكن أن يضع حبل المشنقة حول عنقك لسبب أتفه.
ما يصنع أعطابنا القاتلة كمجتمع ودولة موجود في أماكن مفغورة عن آخرها، لكن مصالح مقيتة لمجتمع مريض ومخزن لئيم التقت لتأبيد صمت العقل وإطلاق العنان للسان الغريزة.
دعوا المخرج السينمائي نبيل عيوش وشأنه، واهتموا بشؤونكم البئيسة.