إنصاف بريس:
يُقصد بـ”انتفاضة 23 مارس” تلك الأحداث التي وقعت بمدينة الدار البيضاء أيام 22 – 23 24 مارس 1965، حين خرج تلاميذ المدارس والثانوياتفي مظاهرات سلمية احتجاجا على ما سمي بالتصميم الثلاثي الذي أصدره في 19 فبراير 1965 وزير التعليم آنذاك يوسف بلعباس ،و القاضي بطرد التلاميذ البالغون من العمر 15 سنة من السنة الأولى والبالغون من العمر 16 سنة من السنة الثانية والبالغون 17 سنة من السنة الثالثة . و هو ما رد عليه تلاميذ وتلميذات المدارس والثانويات بالقيام بإضراب عام…
انطلقت الشرارة الأولى يوم 22 مارس الذي كان يوم احتجاج وإضراب ، حيث خرج التلاميذ من ثانويات محمد الخامس ، الخوارزمي ، عبد الكريم لحلو ، الأزهر هاتفين “التعليم لأبناء الشعب” … كان سن المتظاهرين يتراوح بين 10 سنوات و 17 سنة و سرعان ما التحقت بهم شرائح عمرية و اجتماعية أخرى ليتحول الإضراب إلى انتفاضة شعبية ، تدخل رجال الشرطة وأفراد القوات الاحتياطية لتفريقها بالعنف.
في صباح اليوم الموالي، أصبح الجو أكثر توترا وسط استمرار للإضراب ومظاهرات التلاميذ المحتجين الذين تعززت صفوفهم بآلاف الشباب… وفيما انتقلت عدوى الاحتجاجات إلى مدينتي الرباط وفاس ، ركزت الجماهير الثائرة في الدار البيضاء هجوماتها على السجن المدني ، وعلى مراكز الشرطة ، وأضرمت النيران على مخازن التمويل كما توقف العمال عن العمل وأغلقت المتاجر…
و بعد ظهر يوم 23 مارس أصبحت الدار البيضاء مسرحا لأحداث خطيرة ، واجهتها القوات النظامية بالقوة والقمع والعنف بإشراف شخصي و مباشر من الجنرال محمد أوفقير، الذي كان يتتبع الأحداث عبر مروحية تجوب أجواء الدار البيضاء، و الذي لم يتردد في إعطاء الأوامر بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في الأحياء الشعبية ، مما خلف سقوط العديد من القتلى ومئات من الجرحى واعتقالات واسعة في صفوف التلاميذ والطلبة وعموم المواطنين زاد من ارتفاع حصيلتها أن اكتسحت الدبابات ليلة 23 مارس الشوارع وفتكت بمئات العمال والشباب والعاطلين نساء ورجالا..
أما بالرباط فتوجه فيها المتظاهرون نحو مقر وزارة التعليم مرددين شعارات مثل : “اعطوا الكلمة للشعب” و “بلعباس سير فحالك التعليم ماشي ديالك ” ، ردت عليها قوات الأمن بعنف و شراسة مستعملة القنابل المسيلة للدموع و الرصاص الحي ..
وبعد أحداث مارس الدموية، اتصل الملك الراحل الحسن الثاني بعبد الرحيم بوعبيد واقترح عليه تشكيل حكومة لإنقاذ الوضعية … و بعد المفاوضات بين المعارضة والقصر، صرح عبد الرحيم بوعبيد لجريدة “الفيكارو” الفرنسية: “إننا لبينا نداء الملك فزرناه .ولم نكن نريد أن نسلك سياسة ترك ما كان على ما كان حتى الإنهيار. ولم ننتظر كذلك احداث جديدة والقمع الذي يتولد عنها ، وقد تركت الأحداث الأخيرة في الدارالبيضاء أثرا عميقا ، إننا نتمنى أن نخدم بلادنا في إطار الملكية التقليدية التي للملك فيها دور عظيم ، ولكن بحكومة مسؤولة … وعن سؤال هل أنتم مستعدون لمزاولة الحكم ؟ أجاب عبد الرحيم ولم لا؟ هذه هي القاعدة الديمقراطية … إننا في وقت خطير بالنسبة لبلادنا ، نلبي نداء العاهل ونتمنى أن يفهمنا ، وإني على يقين أنه طال الزمن أم قصر ، فإن الملك سيتفاهم معنا دون تنحية الآخرين. “
وبعد شهرين عن الأحداث علق الملك الدستور ، و حل البرلمان ، و أعلن عن حالة استثناء في 7 يونيو 1965 خلال خمس سنوات، تميزت اساسا باختطاف واغتيال المهدي بنبركة في 29 أكتوبر 1965 . لتستمر حالة جمود في الحياة السياسية مما أدى بشكل أو بآخر إلى المحاولتين الانقلابيتين في 10 يوليوز 1971 والثانية في 16 غشت 1972 .
و لاحقا أقرت هيئة الإنصاف و المصالحة بحدوث وفيات ، و قالت أنه و حسب المعلومات المسجلة بالسجل الخاص بمصلحة حفظ الأموات الموجود بدار بوعزة بالدار البيضاء ، وصل عدد الأشخاص المتوفين بسبب الإصابة بالرصاص إلى 55 حالة وفاة ، تم دفن خمسة منهم من طرف ذويهم بمقبرة سباتة فيما دفن الخمسون الآخرون بمقبرة الشهداء و هي الأرقام التي طعنت فيها عدد من الجهات أكدت أن الحصيلة الحقيقية تفوق 500 قتيل و مئات الجرحى المعتقلين..