إنصاف بريس:
في مثل هذا اليوم من العام 1972،خرج الكاتب والمفكر الفلسطيني غسان كنفاني من بيته بمنطقة الحازمية في بيروت متوجها إلى مكتبه بمجلة “الهدف”، التي كان يرأس تحريرها، و ما لبثت أن لحقت به ابنة أخته (لميس حسين نجم)، التي أصرت علي أن ترافقه، لكن ما إن أدار غسان محرك السيارة حتى انفجرت بمن فيها….
كان الانفجار قويا و عنيفا لدرجة أنه خلّف فجوة كبيرة في المكان الذي كانت تقف به السيارة، كما أدي إلى تحطيم كامل نوافذ العمارة التي كان يقطن بها غسان مع زوجته الدنماركية (آني) وولديه فايز وليلي، وأخته التي جاءت لزيارته من الكويت، رفقة أولادها و من بينهم (لميس) التي لقيت مصرعها في العملية.
ونتيجة للانفجار تمزقت جثة غسان إلي أشلاء صغيرة، وتطايرت خارج السيارة، وتناثرت في أنحاء مكان الحادث، وسقط الجزء الأكبر منها في حديقة مجاورة، كما عثر رجال الأمن علي إحدى يدي غسان فوق سطح منزل مجاور، و كشفت التحقيقات لاحقا أن كمية الديناميت التي استخدمت بلغ وزنها خمس كيلو جرامات، فضلا عن وضع قنبلة بلاستيكية فوق ماسورة العادم حتى تنفجر القنبلة والديناميت في وقت واحد بمجرد أن يعمل المحرك، ولو كانت السيارة موجودة في ذلك الوقت بداخل مرآب العمارة التي يسكن بها غسان لنسفت هذه الكمية المبني بأكمله بحسب ما قاله الخبراء.
كما عثر المحققون في موقع الانفجار علي قصاصة ورق عليها شعار إسرائيل (نجمة داوود السداسية) مكتوب عليها عبارة “مع تحيات سفارة إسرائيل في كوبنهاجن”… في رسالة موجهة لـ(آني) الزوجة الدنماركية لغسان كنفاني التي كانت تلعب دوراً مهما في التعريف بالقضية الفلسطينية في أوروبا الغربية، خاصة من خلال المساعد على نشر نصوص و أدب المقاومة الفلسطينية، مما مكّن غسان سنة 1966 من إصدار أول كتاب عربي عن أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، وحمل في صفحاته أول إشارة إلي أسماء محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم من أدباء فلسطين الذين لم يكونوا معروفين في ذلك الوقت.
و كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي كان غسان من أبرز زعمائها، قد قامت قبل اغتيال غسان بعملية فدائية في مطار بن غوريون الدولي بتل أبيب، قامت على إثرها إسرائيل بتنفيذ هجوم كبير علي جنوب لبنان، تلاه اغتيال غسان لأنه كان من ألمع الرموز الفلسطينية المعبرة في مواقفها وكتاباتها عن ضرورة تحرير فلسطين بالمقاومة المسلحة وليس بأسلوب آخر، وله في ذلك عبارته المشهورة التي يقول فيها: “كن رجلاً تصل إلي عكا في غمضة عين، أما إذا كنت لاجئاً فقط فلن تراها أنت ولن يراها حتى أحفادك”.