1. ثقافة العائلة الإيديلوجية الوحيدة هي الثقافة السائدة في جامعاتنا وهي انعكاس لمايجري في مجتمعنا، لما رفعنا شعار الرهان الثقافي في التسعينات من القرن الماضي داخل الحرم الجامعي، رفعناه لأن منذ تلك الفترة بدأت تذب في شرايين الحركة الطلابية دماء الثقافة الواحدة المهيمنة،
2. صحيح أن مرحلة جيلنا كانت مرحلة الأسابيع الثقافية بامتياز، لكن هي كانت في حقيقة الأمر أسابيع استعراضية لرأي واحد وثقافة واحدة وعائلة إيديلوجية واحدة سواء كان الأسبوع من تنظيم طلبة أمازيغ أو قاعديين أو إسلاميين،
3. الرهان الثقافي آنذاك الذي نادت بعض الحساسيات الطلابية آنذاك هو رهان من أجل أن تكون جامعتنا المغربية جامعة وطنية حاضنة للاختلاف للديمقراطية ومدرسة لتخريج أطر المجتمع بوعي سياسي ناضج وفي إطار هويتنا الحضارية التي تؤسس لمنطق الاستيعاب عوض العداء والتناحر،
4. أتذكر حينها نقاشات على حدتها وعلى سخونتها وعلى حرارة تفاعلها كانت بناءة، في التسعينات كان ممكنا ان تجد حلقية يجتمع فيها الرفاق والإخوان والطلبة العاديين ونحضر لمناظرات قد تستغرق ساعات طويلة حول الإسلام وحول الماركسية وحول المادية التاريخية وحول تاريخ الإخوان المسلمين وحول الديمقراطية وحول القضية الفلسطينية…
5. شيء ما وقع منذ تلك الفترة وفي لحظة وجيزة تحولت الحلقيات الفكرية المشتركة إلى مجموعات تجوب الكلية، وإلى ثقافة إخلاء الكلية وصلاة الخوف من داخل الحرم الجامعي والكر والفر والدوريات من هنا وهناك ومن دوريات في الأحياء المجاورة للكلية وفي الحي الجامعي، ومن الإنزالات من هنا وهناك ثم تحول المشهد إلى المظاهرات التأبينية بقميص ملطخ بدم أو بنعش رمزي مرفوع على الأكتاف وهكذا دواليك،
6. هكذا تحول الاختلاف الفكري الحاد إلى عداء تام ومقاطعة دائمة وتناحر مستمر، أتذكر حينها أحد الطلبة وقد أتى بضمادة في رأسه بعد الزوال بعدما تعرض لهجمة شرسة من طرف دورية لل”رفاق”تجوب الكلية ولم يكن يعلم أن ثمة قرار “إخواني” بإخلاء الكلية، وخرج من حصة الدروس التطبيقية فانقضت عليه الدورية ضربا ورفسا حتى سال دم رأسه وحمل إلى المستشفى وفي المساء اتى ليقول كلمة مؤثرة: ” كنت أظن أنني دخلت الجامعة بعد حصولي على الباك لكن الان فهمت الآن انني علي أن أحصل على حزام أسود في الكراطي وأنا أقرر الدخول إلى الجامعة”،
7. ما الذي حصل؟ أنا ومعي ثلة من الإخوة كنا نشترك في خلاصة مفادها ان مسلسل العنف بالجامعة ليس مسلسلا عاديا بدليل أننا حضرنا أجواء اختلاف ونقاش فكري صحي رغم حدته وكان ممكن له أن يتطور ويتمأسس وينضج غدا واعدا للحركة الطلابية وللمجتمع ككل، لكن المسلسل تطور بشكل دراماتيكي إلى نقاش في الدم وإلى حمل السيوف والخناجر والحجر بالمحفظات، وإلى ثقافة النسف والانتقام والتخوين،
8. صحيح أننا لاننكر أن الحركة الطلابية كانت حادة بطبعها بحيث كانت ترفض كل جسم مخزني غريب عن ثقافتها التحررية فكانت تحاصره وتلفظه،
9. لكن دائرة المحاصرة ضاقت وضاقت حتى أصبح البعض يحاصر البعض والبعض ينسف للبعض والبعض يستولي على قلعة جامعية كانت لدى الآخر، حرب المواقع والقلاع الجامعية ظل مستمرا،
10. وعوض ان تنكب الجهود النضالية والفكرية والطلابية نحو الموضوع، نحو تأطير الطلبة الجدد الآتين، نحو إنضاج شروط عقد مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بالحوار والتواصل، نجو ميثاق طلابي جامع نابذ للعنف ومعترف بالآخر ومقر بالديمقراطية آلية لحسم الخلاف، صارت الأمور منحى التجزيء والتفريخ والتملك فالاتحاد أضحى اتحادان، والممثل الطلابي الوحيد صار منظمات هنا وهناك تمثل شريحة ميكروسكوبية من الطلبة أو فصائل تاريخية لم يبق منها سوى أوراق التاريخ وأسماء المناضلين السابقين أو فصائل جديدة لها ما لها وعليها ما عليها،
11. والمنتصر في الأخير هي القرارات المجهزة على المكتسبات الطلابية سواء في النقل أو في المنحة أو في الإيواء او في ظروف الدراسة أو في الشروط المجحفة لولوج المدارس والمعاهد وبعض الكليات والجامعات،
12. دعوى الرهان الثقافي لازالت لها مشروعية بروح ثقافة الاختلاف البناء والديمقراطية ونبذ العنف، ودعوى الميثاق الطلابي لازالت مشروعة بروح الحوار والتواصل والتكتل لمحاصرة دائرة العنف وثقافة الإقصاء والإجهاز المخزني على المكاسب وبث روح طلابية تحررية تكون أملا لحراك سياسي واجتماعي واعد بأفق قطب تاريخي ديمقراطي ممانع لمركب الفساد والاستبداد خارج أسوار الجامعة…