في وقت أصبح فيه العالم معبأ لمواجهة التطرف الإسلامي الذي غدا كارثة معولمة، وفي الوقت الذي انهارت فيه بلدانبكاملها وأصبحت عرضة لخراب شامل مثل العراق وسوريا بسبب الاستبداد السياسي والطائفية وسُعار التطرفوجرائم القاعدة وأخواتها، وفي الوقت الذي أصبح فيه “الجهاد” إيديولوجياعابرة للقارات بفتوى “علماء الأمة” الذين أجمعوا في مؤتمر إسلامي على ذلك وأقروهونادوا به وحثوا عليه بدون خجل أو وجل، يخرج علينا وزيران من وزراء حزب المصباح(السيد باها والسيد الشوباني) ليحذرا من “التطرف الأمازيغي”،هذا الأخير الذي لم يقتل أحدا حتى الآن ولم يضع لوائح اغتيالات، ولم يُدخل سلاحا إلىالبلاد، ولم يُنظم خلايا إرهابية، ولم ينفجر باسمه أحد في المقاهيوالفنادق، ولم يَعِد الناس بالجنة بعد الانتحار، ولم يعتبر المرأة عورة ويقف ضدّحقوقها، ولم يرَ اغتصاب القاصرات زواجا مباركا، ولم يعتبر الديمقراطية”كفرا” وقيما غريبة عن “تقاليدنا العريقة”، مشكلة الأمازيغ فقط أنهم لايتفقون مع حزب المصباح ومن والاه، في السياسة وفي الأسس التي ينبغي أن تقوم عليهاالدولة الديمقراطية، وأنهم يمثلون الأصالة المغربية الحقيقية التي يريدالمتطرفون الدينيون احتكارها باسم الوهابية السعودية تارة والفكر الإخوانيالمصري ـ القطري تارة أخرى.
هل يتمتع الوزيران بمصداقيةتسمح لهما بإعطاء دروس ضدّ التطرف ؟ فأحدهما ما فتئ يشير على رئيس الحكومة بأسوأالاختيارات التي تسير بالبلاد نحو الهاوية، والثاني خرج لتوه من فضيحة فتوى لباس الصحافيات، التي لا تعبرفقط عن مقدار تطرف الوزير، بل أكثر من ذلك عن حاجة الحكومة إلى وزراء حقيقيين.
ماهيمظاهرالتطرف الأمازيغي حسب الوزيرين ؟ ومن هم المتطرفون الأمازيغ الذين تحدثا عنهم ؟ لنقم بمناقشة الوزيرينفي ادعاءاتهما، وليكن ذلك من أجل إدماجهما في نقاش لا يبدو أنهما يسايرانه أو يعرفانمنطلقاته ومفاهيمه وأبعاده.
لميذكر الوزيران اللذان كانا يتحدثان في جمع تأسيسي لجمعية تابعة لحزب المصباح، والتيسموها “رابطة أمازيغية” ، (مع العلم أن الجمعيات الأمازيغية تنتميمنذ نصف قرن إلى المجتمع المدني المستقل عن الأحزاب وعن السلطة)، لم يذكراأسماء المتطرفين الأمازيغ، بينما ذكر السيد باها من مظاهر التطرف أنالأمازيغ يقولون إنهم “شعب أصيل”، ويا له من تطرف !! بل إن السيد باها قال إنه”يشعر بالإهانة من الطريقة التي يقدّم بها بعض الأمازيغ أنفسهم، والذينيصوّرونهم على أنّهم هم الشعب الأصلي، مثل الهنود الحُمْر”. الحقيقة أننيكلما سمعت باها يتكلم تبادر إلى ذهني سؤال إن كان الرجل قد سبق له أن فتح كتاباونظر فيه، فالشعوب الأصلية لها إعلان عالمي أصدرته الأمم المتحدة، والأمازيغالمغاربة يعتبرون الشعب المغربي أمازيغيا كله، أي أنه كله “شعب أصيل”، ولا وجود لأقلية أمازيغية، إلا ما كان من سياسة الدولة التيعاملتهم طوال نصف قرن كما لو أنهم أقلية مضطهدة، ولست أدري ما هي الوثائقالتي اعتمدها السيد باها الذي يبدو أنه بحاجة إلى دورة تكوينية حولخطابات المجتمع المدني المغربي.
إننانحن أيضا معشر الأمازيغ نشعر بالإهانة أن نرى من ينسب نفسه للأمازيغيةيجتر كلام أسياده القطريين والسعوديين الأجانب، متناسيا ثقافته المغربيةالأصيلة العريقة، ثقافة أجداده الذين لم يكونوا قط يفهمون الإسلام فهمالإرهابيين والعشائر البدوية الخليجية.
يعارضالإسلاميون أفكار الفاعلين الأمازيغيين لمدّة غير قصيرة، وعندما تصير تلكالأفكار واقعا ملموسا لا يجدون بدا من الالتحاق بالركب، محافظين رغم ذلكعلى بعض ماء الوجه، باستنكار “التطرف الأمازيغي”، الذي لايعطون أي دليل عليه.
أذكرباها ورفيقه بأن جميع المعارك التي خاضها تيارهما ضدّ الأمازيغية باءت بالفشل:
ـ عارض الإسلاميون تدريسالأمازيغية التي اعتبروها “مؤامرة استعمارية” وإعادة إنتاج لـ”الظهيرالبربري” سنة 1995، وكان أن أدرجت الأمازيغية في التعليم سنة 2003.
ـعارضوا حرف تيفيناغ سنة 2002، وسماه بعضهم “حرفا وثنيا”، وبعضهم “حرفا فينيقيا”،واتهموا الأمازيغ بالولاء للخارج، وهدّدوا بالنزول إلى الشارع في حالة عدم تبني الحرفالعربي لتدريس الأمازيغية، وتم ترسيم حرف تيفيناغ سنة 2003، واستعمله حزبالعدالة والتنمية في ترجمة وكتابة قانونه الأساسي، واستعمله في مؤتمراته، وفيحملته الانتخابية سنة 2011.
ـعارضوا أي تعديل لمدونة الأسرة وشنوا حملة شعواء ولا أخلاقية على خطة إدماج المرأةفي التنمية، وتم تعديل المدونة سنة 2004.
ـعارضوا ترسيم اللغة الأمازيغية سنة 2011، ونادوا بـ”لغة وطنية” حتى تظلخارج المؤسسات، فتم ترسيم الأمازيغية هوية ولغة في نفس السنة.
ـعارضوا حرية المعتقد في الدستور ثم عادوا وتبنوها في أرضية مؤتمرهم بعد ذلك.
ـ عارضوا تعديل قوانين تبريرالاغتصاب والتمسوا لذلك أعذارا مضحكة ولا إنسانية، فتم تعديل المادة القانونيةالمبررة للاغتصاب والداعمة لتزويج المغتصبات.
ـشككوا في المرجعية الدولية المطالبة بإلغاء جميع أنواع الميز ضد النساء،متذرعين بـ”الخصوصية الإسلامية”، فتم رفع المغرب لجميع تحفظاته على(سيداو)، والمصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميعأشكال التمييز ضد المرأة.
من المتطرف ؟ هل الذي يطالببحقه أم الذي ينكره عليه ويسعى جاهدا لكي لا يناله ؟
ما أكثر ما تتلون وتنقلب هذه”الم
رجعية الإسلامية” كما يفهمها حزب المصباح، فهي تعارض الشيء وتحاربه ثم تجد كلالمسوغات لقبوله عندما لا تجد بدا من ذلك.
أحياناأشعر بالشفقة على الإسلاميين، إنهم كمثل من يتاجر ببضاعة ما يحتكرها، فيخشىأن يكتشف الناس أنها نسخة زائفة لبضاعة أصلية تتوفر بالمجان للجميع.
لقد قال السيد باها كلاما صحيحاوهاما لكنه لم ينتبه إلى أنه يصفع به نفسه قبل غيره، عندما أعلن :”من يحاول أنيتحكّم في المغاربة أو يتدخّل في حرّياتهم يتحطم”. إذا كان الرجل يعني مايقول ويفهم أبعاده، فلن تكون هناك مشكلة قط مع السيد باها ومن معه. فالأمازيغ هم”الأحرار”، والتاريخ يعطي دروسا كثيرة في هذا الباب.
أما عن كلمة السيد الشوبانيورسائله الموجهة إلى التنظيم الوليد، التابع للحزب العتيد، فسيكون من باب الصدقوالمكاشفة أن نخبره بأن الأمازيغية تستعصي على الاحتواء والتحريف، ونتركهلضميره وللزمن الذي هو كفيل بتعليمه.
تذكير: ذكر السيد باها موسى بننصير، أدعوه وأدعو القراء إلى قراءة متمعنة لتاريخ المغرب خلال مرحلة الحروب بين الأمويين والأمازيغ، وتدقيقأخبار القائد العسكري موسى بن نصير، وإفادتنا بعد ذلك بتفسير ما فعله بطارق بنزياد، وما فعله به هو نفسه الخليفة الأموي، وأسباب نهايته المأساوية.