عندما يلتقي منطق الصحفي ومنطق الفقيه في تبرير المس بسلطة الدولة بدفوعات حقوقية مفتعلة.
هل رفض مصافحة مسؤول في الدولة من قبل مسؤول في الجيش بمبرر أنه “أنثى” يدخل في مجال حقوق الإنسان وحرية اعتناق الأفكار والمعتقدات؟.
أثارت قضية الكولونيل الذي رفض مصافحة السيدة الوالي العدوي ردود فعل عديدة لعل أغربها ما جاء في افتتاحية صاحب أخبار اليوم عدد1292 ليوم الأربعاء 12 فبراير2014،معنونة ب” الكولونيل أساء إلى المرأة والجنرال أساء إلى القانون”.معتبرا بأن رفض كولونيل القوات المساعدة مصافحة السيدة الوالي يدخل في “مجال حق مواطن في اعتناق الأفكار والمبادئ والرؤى والقناعات التي يرى أنها تلائمه ما دامت لا تمس بحرية وسلامة الآخرين” وبالتالي فتوقيف أو معاقبة الكولونيل إجراء يتعارض مع حقوق الإنسان .بل ذهب صاحب الافتتاحية إلى اعتبار موقف الكولونيل لا يعدو أن يكون ا” خرقا لقواعد المجاملة والذوق في التعامل مع الجنس الناعم”.ونظرا لغرابة هذا التصور نتساءل مع المتسائلين هل رفض مصافحة مسؤول في الدولة من قبل مسؤول في الجيش بمبرر أنه “أنثى” يدخل في مجال حقوق الإنسان وحرية اعتناق الأفكار والمعتقدات؟، هل سيسمح النظام الديمقراطي المدني في الدول العصرية بسلوك من هذا القبيل ، بمبرر الجنس أو اللون أو المعتقد ، أو الانتماء العرقي، أو السن؟ .وهل من المعقول النظر إلى الوالية ” كجنس ناعم” كما ذهب إلى ذلك السيد بوعشرين أم وجب النظر إليها كمسؤولة في الدولة؟ .ثم ، هل من المستساغ أن نبحث عن مبررات “فقهية” في النازلة لكي نبرر سلوكا من هذا النوع في القرن الواحد والعشرين والتصريح غير المبرر بأن الأمر يتعلق بمعتقدات دينية؟.وهو ما ذهب إليه الريسوني عندما اعتبر بأنه ” بمنطق الواجب المهني الوظيفي، فسنجد أنفسنا أمام شطط فظيع في استعمال السلطة والتسلط”.إذن يلتقي منطق الصحفي ، ومنطق الفقيه في تقديم مبررات زائفة/ ومغلوطة لا تقيم الفصل بين سلطة الدولة ودولة السلطة.بين المدني والعسكري.
.إن الأمر في تقديرنا لا يتعلق بأشخاص عاديين لهم طبعا حرية التصرف ما لم تمس بحرية الآخرين، وحرية المعتقد وحرية الشؤون الدينية، بل بسلطة الدولة وما تفرضه من ضوابط وقواعد متعارف عليها عالميا، ولا يتعلق الأمر –كما ذهب السيد بوعشرين-إلى أن الأمر “خرق لقواعد المجاملة والذوق”.فالواقعة لا تتعلق بقياس الذوق أو بسلوك المجاملة لأن النظر إلى ما حدث من زاوية” التمييز الجنسي” بين الذكر والأنثى اسقط العديد من التحليلات في منزلقات خطيرة، كما أن الخلط بين المدني والعسكري يفسر إلى حد بعيد سقوط هذه التحليلات في دفوعات حقوقية غير صحيحة، وإلا هل ستسمح الدولة ، باسم حقوق الإنسان ‘ وحرية الفكر، والقناعة الدينية، أن تتعدد المذاهب والمرجعيات الدينية في مسالك الجيش، ومفاصل الإدارة، أوالدولة حتى نبرر عدم الامتثال لأوامر عسكرية بمبررات دينية؟ وهل يسمح “الواجب المهني الوظيفي” في مسالك السلطة –عالميا- أن يتصرف مسؤول في الدولة أو الجيش كما يحلو له، أي وفق قناعاته الدينية أو الفكرية؟.
إن حديثنا عن سلطة الدولة لا يشرعن دولة السلطة والتسلط. فالفرق بينهما شاسع وعريض.وإعمال سلطة الدولة لا يخرج عن القواعد الكونية للدولة العصرية الخاضعة لمنطق القانون وهيبة المؤسسات، أما دولة السلطة، هي العنف والتسلط خارج القانون.فنضالنا ينبغي أن يقيم التمييز بين دولة السلطة والتسلط وبين سلطة الدولة.