يتعين على الوزير مصطفى الخلفي أن يقتنع بأن المخزن الإعلامي كان دوما حاضرا في مشهدنا الإعلامي والصحفي، بل إن هذا الأخير، ظل حريصا على الإحاطة بكل تفاصيل المشهد الإعلامي والصحفي من خلال أعين يقظة لا يخترق جفونها النوم. وإذا كان للسيد الوزير – الذي مارس مهنة الصحافة وتحمل مسؤولية إدارة النشر في جريدة التجديد، قبل أن يصبح وزيرا للاتصال وناطقا باسم الحكومة التي يقودها الحزب الذي ينتمي إليه- أي شك في هذه المسألة، فما عليه إلا أن يسأل زميله في الحكومة نبيل ابن عبد الله، ربما سيجد عنده الجواب الشافي.
المخزن لا يحتاج إلى بطائق صحفية من وزارة الاتصال حتى يؤدي دوره داخل النقابات والأحزاب والجمعيات، وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه الصحفي والإذاعي والناشط الحقوقي والفاعل السياسي، محمد العوني، الذي لا تخفى عنه معاناة الصحافة مع المخزن بحكم مساره المهني في الإذاعة الوطنية.
فعوض أن يتحدث رئيس منظمة حرية الإعلام والتعبير ” حاتم” عن تبطيق رجال الأمن ببطائق الصحافة، من أجل تمكينهم من دخول مقرات الجمعيات والأحزاب والنقابات، وهذا ما لم يعد ممكنا اليوم بالنظر إلى التحولات العميقة التي طالت هذه البنيات المهترئة والمتصدعة من الداخل، كان حريا بالعوني أن يتحدث عن “بولسة” المشهد الإعلامي والصحفي، من خلال زرع عبوات ناسفة فيه، أصبحت تنفجر بين الفينة والأخرى في وجه الحقوقيين، والكتاب، والنشطاء المدنيين، والصحفيين أنفسهم.
في هذه الحالة لن يجد الصديق العوني أي صعوبة في إثبات هذا الأمر بالحجج والبراهين المسنودة ببيانات الجمعيات الحقوقية وشكاوى وتصريحات ضحايا العنف والإرهاب الإعلامي الذي أصبح يمارس من طرف الغزاة الجدد لمهنة المصاعب والمتاعب.
وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، الذي سارع إلى نشر لوائح الصحفيين المبطقين من قبل وزارته للرد على كلام الصحفي، محمد العوني، عليه أن يتصفح الجرائد الورقية، و يسبح في المواقع الإلكترونية التي تم استنباتها كالفطر في وقت قياسي، لكي يقف عند بشاعة ما ينشر في بعضهما للأسف الشديد من مقالات عنيفة، تخل بأبسط قواعد المهنة، وتفتقد لأدنى أخلاقيات العمل الصحفي، الذي بدأ يفرغ من محتواه النبيل ومن سلطته القوية، بسبب اقتحام مجال الصحافة من طرف وافدين لا يميزون بين العمل الصحفي المهني والعمل الميليشياوي.
بكل صدق، هناك جرائد ومواقع إلكترونية في بلادنا، لا تقوم بالوظيفة التي ينبغي لها كسلطة رابعة القيام بها، بل أصبحت هذه الأخيرة سوطا مملحا لجلد ظهور الصحفيين، الذين يعبرون عن مواقف إما منتقدة للسلطة بمنسوب جرأة كبير في تحليل الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، أو تحيل على قضايا لا زال البعض، للأسف الشديد، ينظر إليها كخطوط حمراء لا ينبغي تجاوزها !. كما أنها لا تجد أي حرج في قذف “الحقوقيين والكتاب ونشطاء المجتمع المدني” والتشهير بهم والمس بأعراضهم وسبهم من تحت الحزام، بل أصبحت تحدد من هم الوطنيون ومن هم المرتزقة والخونة، في ظل حياد سلبي للحكومة غير مفهوم تجاه هذه الممارسات التي تخل بأخلاقيات العمل الصحفي الجاد والمسؤول وتضر بالمكاسب الديمقراطية والحقوقية في البلاد وترجعنا سنوات إلى الوراء.
لا أظن أن السيد وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، تغيب عنه هذه المعطيات. وإذا كانت أولوياته على رأس القطاع الذي يشرف عليه أو يديره تحث إشراف رئيس الحكومة ومسؤولية رئيس الدولة كما صرح بذلك في المناظرة التي نظمها موقع “هسبريس وهنا صوتك” خلال هذا الأسبوع، قد لا تسمح له بمواكبة مثل هذه المهازل التي لا تمت بأي صلة لحرية الرأي والتعبير ولأخلاقيات مهنة الصحافة، فما عليه، إلا أن ينقر أسماء عدد من الصحفيين والحقوقيين والسياسيين على موقع ” كوكل” ليتبين طبيعة المجازر التي ارتكبت في حقهم ومست بحرياتهم وحقوقهم بسبب ما يكتبونه ويعبرون عنه من أفكار ومواقف وآراء لا تروق البعض.
وبالعودة إلى الخطوة التي أقدم عليها وزير الاتصال الناطق الرسمي بإسم الحكومة، مصطفى الخلفي، والمتمثلة في نشره لائحة تضم أسماء الصحفيين ” إناثا وذكورا” الذين تم تبطيقهم من قبل وزارة الاتصال، لا بد من الإشادة بهذه الخطوة حتى وإن ارتبطت أسباب نزولها بردة فعل السيد الوزير على تصريح الصحفي محمد العوني، وإلاّ، فما الذي منع الخلفي من نشر هذه اللائحة، التي جاءت خالية من أرقام بطائق تعريف الصحفيين الوطنية، مند أن أصبحت جاهزة لدى وزارته؟
الصحفيون الذين وردت أسمائهم في اللائحة التي نشرتها وزارة الاتصال، جزء منهم ، ولاسيما، هؤلاء المصنفين في خانة ” الصحفيون في وضعية فريلانس” أو “الصحفيون في شركات الإنتاج” لا زال الوزير الخلفي مطالبا بإعطاء توضيحات فيما يتعلق بنشاطهم المهني أو بمعايير انتقائهم.
لا شك أن اللائحة التي نشرها الخلفي قد تعري عن أمور كثيرة سيفتح، مما لاشك في ذلك، النقاش حول تفاصيلها، وستطرح بشأنها الأسئلة الضرورية التي ستحتاج إلى الإجابة عنها من قبل السيد وزير الاتصال بنفس الشفافية التي نشر بها اللائحة. كما أن هذه اللائحة، ستقطع الطريق أمام عدد كبير من المتطفلين على مجال الصحافة، الذين يستعملون صفة صحافي بطريقة تدليسية، للنصب على الأشخاص والمؤسسات.
يمكن من الآن فصاعدا لأي جهة مهما كان
ت طبيعتها أن تحتفظ بنسخة من هذه اللائحة المهمة جدا للتحقق من هوية الأشخاص الذين يقدمون أنفسهم للآخرين كصحفيين.
لائحة الصحفيين الذين يمارسون الصحافة كمهنة أوضحت أمور في غاية الأهمية من قبيل أن هناك إذاعات خاصة وشركات إنتاج ومواقع الكترونية تشتغل بعدد محدود من الصحفيين بل منهم من يشتغل بصحفي واحد أو صحفيين. كما أنها كشفت عن أرقام صادمة فيما يتعلق بعدد المنابر الاعلامية الإلكترونية التي لها وضع قانوني كمؤسسات صحفية ” أقل من عشرة مواقع هي التي تستفيد من بطائق الصحافة وبشكل محتشم باستثناء موقع هسبريس، من أصل أكثر من 500 موقع الكتروني كانت تلتئم في لقاءات الخلفي واطالب بالدعم !”
ما هي المعايير التي اعتمدت عليها وزارة الاتصال في تبطيق مثل هذه الفئات؟ هل يمكن لإذاعة خاصة أن تسير من طرف صحفيان؟ هل يمكن تسيير شركة إنتاج بصحفي واحد؟ هل يمكن لمواقع الكترونية تنشر ما يفوق 60 مادة متعددة الأجناس في اليوم الواحد، أن يسيرها طاقم صحفي محدود جدا؟ لماذا لا نعطي لوزراء الإعلام ممن مارسوا مهنة الصحافة بطاقة شرفية بدل تصنيفهم في خانة الصحفيين في وضعية ” فريلانس” كما هو الشأن للوزير الصحفي العربي المساري؟ وعلى أي أساس تم تبطيق المدير السابق لوكالة المغرب العربي للأنباء على بوزردة؟ ألا يستدعي الأمر منحه بطاقة صحفية شرفية؟ لماذا لا يتم تحيين وضعية الصحفيين الذين يلتحقون بالجرائد الورقية من صحفي “فريلانس” إلى صحفي تابع للمؤسسة التي يشتغل بها؟