أكد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، اليوم الأربعاء بسلا الجديدة، أن مبدأ الدفع بعدم دستورية القوانين يعتبر إحدى الركائز الرئيسية لتكريس دولة الحق والقانون.
وسجل السيد وهبي، خلال افتتاح أشغال ندوة دولية تنظمها وزارة العدل، بشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ومجلس أوروبا، حول موضوع “الدفع بعدم دستورية القوانين في النظام الدستوري المغربي”، أن إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية القوانين إلى حيز الوجود من شأنه تعزيز الركائز الرئيسية لتكريس دولة الحق والقانون، مبرزا أن ضمان نجاحه يكرس أدوار المحكمة الدستورية وحسن اضطلاعها بتنظيم العلاقة بين المواطن والدستور.
وأوضح الوزير، خلال الندوة التي تعرف مشاركة محامين، وقضاة، وأساتذة جامعيين متخصصين في المادة الدستورية، وممثلي هيئات دولية، أن المصادقة بالإجماع على مشروع قانون تنظيمي رقم 86.15 يتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين، بتاريخ 09 يناير 2023، تعكس إحاطة هذا النص القانوني بمختلف الجوانب المسطرية المترتبة عنه، وبما يفرز الآثار المرجوة منه، والتي تتجلى أساسا في صون الحقوق والحريات في مختلف أطوار الدعوى العمومية.
وتابع أن هذا النص لم يبلور لعرقلة السير العادي للعدالة، ولا لتأخير البت في الملفات المعروضة أمام نظر المحكمة، ولا لإطالة آماد البت، لافتا إلى دور المحامي في هذا الشأن، في ما يتصل أساسا بعلاقاته مع المحكمة الدستورية، وضرورة إلمامه بالمادة القانونية في المقام الأول، وتملكه للجوانب المسطرية المعي نة والدقيقة، ومن ضمنها الطعون ثانيا.
واستشهد السيد وهبي في هذا الاتجاه بكرونولوجيا تطور الرقابة على دستورية القوانين في المملكة منذ دستور 1962، الذي نص على إحداث “الغرفة الدستورية” التابعة للمجلس الأعلى للقضاء، فإنشاء “المجلس الدستوري” بموجب دستور 1992 كهيئة مستقلة عن القضاء العادي، مع إمكانية الرقابة الاختيارية على القوانين العادية بإحالة من سلطات سياسية محددة، وهو ما تم تكريسه في دستور 1996، مضيفا أن هذا التطور بلغ ذروته مع المراجعة الدستورية لسنة 2011، التي جاءت بمقتضيات جديدة نقلت التجربة المغربية من أسلوب الرقابة السياسية عبر “المجلس الدستوري” إلى الرقابة القضائية عبر “المحكمة الدستورية”.
ولفت إلى أن المحكمة الدستورية مدعوة اليوم إلى تكريس اجتهادات قضائية من شأنها “تحصين مساطر البت”، بما يوظفها على النحو الأمثل في صون الحقوق والحريات، مع عدم الإضرار بأي طرف من أطراف الإحالة، مشيرا إلى أن موضوع “الدفع بعدم دستورية القوانين” يكتسي أهمية قصوى لدوره الرقابي الحيوي في حماية حقوق المواطنين. ويتيح لهم هذا المبدأ اللجوء إلى القضاء الدستوري للطعن في دستورية التشريعات، “مما يعد ضمانة أساسية لمراقبة مدى توافق القوانين مع مبادئ وأحكام الدستور، وبالتالي تحقيق العدالة الدستورية”.
من جهتها، قالت سفيرة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، باتريشيا لومبارت كوساك، إن مشاركة الاتحاد الأوروبي في فعاليات هذه الندوة تروم “دعم النقاشات بين الخبراء المغاربة والأوروبيين في موضوع العدالة الدستورية”، مبرزة أن الندوة التي ينظمها مجلس أوروبا، ولجنة البندقية، ترمي إلى استعراض التجارب الدستورية بـ61 بلدا منضويا تحت لواء هذه اللجنة.
وكشفت، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الغاية المثلى للدفع بعدم دستورية قانون هي حماية الدستور، ومن ثمة حماية الحقوق والحريات، مشيرة إلى أن ندوة اليوم “تأتي في سياق شراكة متينة وموثوقة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، وفي سياق عالمي يهدف إلى صون الحقوق كما هو متعارف عليها عالميا، وبما يعزز دولة الحق والقانون”.
ولفتت إلى أن هذه “الشراكة تجد سندها في أساس تعاون متين وقيم مشتركة نعمل دوما على النهوض بها”.
من جانبها، قالت رئيسة مكتب مجلس أوروبا بالرباط، كارمن مورتي غوميز، إن الندوة التي تنظم مع الاتحاد الأوربي في إطار برنامج “جنوب” الممول بشكل مشترك بين الهيئتين، تروم “إبراز الممارسات الجيدة للاتحاد الأوروبي والتي جرى تجريبها، ونعتزم تقاسمها مع المغرب في مجال الدفع بعدم دستورية قانون”.
وسجلت أن الندوة تعتبر مناسبة سانحة للتبادل بخصوص التجارب الرائدة في مجال الدفع بعدم دستورية قانون على غرار البلجيكية، والفرنسية، والإيطالية، والمصرية، مع دعم الممارسة المغربية في صياغة القانون ذي الصلة.
أما مديرة وأمينة لجنة البندقية التابعة لمجلس أوروبا، سيمونا غراناتا مينغيني، فأوضحت أن “اللجنة الأوروبية للديمقراطية عن طريق القانون” (لجنة البندقية) تعد جهازا استشاريا لمجلس أوروبا حول القضايا الدستورية، وتضم 61 دولة عضوا، مشيرة إلى أن مهامها تتمثل أساسا في المساعدة على صياغة الدساتير، ونشر القوانين الدستورية، وإعداد الدراسات وتنظيم الملتقيات الدولية لتجذير الثقافة الحقوقية وطرق سن القوانين الدستورية في جميع أنحاء العالم.
وتنكب هذه الندوة، المنظمة على مدى يومين، على بحث تيمات تتعلق بـ”الرقابة الدستورية من خلال استحضار الإطار النظري والعملي المؤسس لها، ودوره في تعزيز سيادة القانون وحماية الحقوق الدستورية”، و”دراسة الإشكالات التي تعترض تطبيق الفصل 133 من الدستور واقتراح حلول عملية لتجاوزها، بما يضمن تفعيل الرقابة على دستورية القوانين بشكل فعال”، و”تبادل التجارب الدولية في مجال الرقابة على دستورية القوانين، والاستفادة منها لتطوير نظام الرقابة الدستورية في المغرب”.
كما تبحث مواضيع تتعلق أساسا بـ”الإحاطة بمبدأ الرقابة الدستورية، والجوانب المؤطرة له، لتطبيقه بشكل فعال وعادل، بما يضمن حماية الحقوق والحريات الدستورية”.