بيوم زائد أو أقل، بلافتة غضب أو بورد أحمر، بنقاب أو بفستان قصير، بثورة أو بدون، سيبقى فبراير حلمنا المشترك والمستحيل.. أن يمضي بطيئا أو كلحظة عشق، أن يأتي مشرقا أو بمطر خفيف، صاخبا أو بلا صدى، سيبقى فبراير شهرا مزعجا كغصة في الحلق، ومدهشا كصدفة جميلة، ومشاغبا كطفل يطفئ شمعته الثالثة..
أن تخمد حركته أو تذوب نورا، أن تظل متوهجة أو تصير رمادا، تمر بسلام أو تسيل دماؤها على الإسفلت، سيبقى يومه العشرون موعدنا السنوي للكلام، فقط الكلام، كل ما نملك اللحظة، رصاصتنا الأخيرة بعد نهاية المعركة بهزيمة عشاق الحرية أمام الأسلحة كاتمة الصوت لحراس الاستبداد وللمدمنين على أفيون العبودية.
عذرا فبراير! كنا نتمنى أن نفرح اليوم، وأن نهديك باقة ياسمين، وأن نشعل شموع الأمل.. كنا نحلم أن نلقاك بعد ثلاث سنوات وقد تقدمنا بضع خطى في طريق الحرية، وقد صعدنا درجة في سلم العيش الكريم، وأخذنا جررعة من السعادة، لكننا كنا فقط، نحلم كأي عشاق ساذجين..
لانملك اليوم سوى أن نعلنك عيدا للشعب بدون ترخيص من الجهات الرسمية، وأن نحيي ذكراك الثالثة بكلام كثير وحلم أقل.. لا نملك إلا الشتات أمام استبداد يتقوى بإرادتنا، وإلا الاختناق في بلاد يضيق صدرها يوما بعد يوم من رقصة قلم على ورق افتراضي، ومن همسات أغنية في ركن مكتبة في شارع صغير..
في شهر فبراير، وفي يومه العشرين، سيردد الشباب في الساحات الشعارات نفسها، سيكتفي اليائشون بالتغريد أمام الحواسيب، سيشعل الحالمون في عتمة الأفق شموعا، سيهتف الصادقون عاش الشعب، سيتنهد المعتقلون خلف أسوار الصمت، سيغني الحاقدون وسط الحصار، سيشتغل المخبرون ساعات إضافية، سيأخذ المصورون مشاهد مشتتة، ستقول الصحافة مرت الذكرى باهتة، وستواصل نشرة المساء بث قصائد المديح الملونة ككل مساء منذ أكثر من خمسين عاما.
في شهر فبراير من كل عام، سيقدم المحللون الرسميون آخر نظرياتهم في تأبين الربيع، سيعدد مثقفون السلطة أخطاء الشعب، سيفخر الحزب الحاكم بعدم نزوله للشارع، ستذكرنا الأحزاب التاريخية ببطولات الماضي، وستتلو فرقة المادحين سطورا مضيئة من الدستور المجيد، وسيقول الخبراء الاستراتيجيون بأن حركة 20 فبراير كانت وهما..
صدقتم، كانت وهما عصيا على القبض، منفلتا كعصفور، وهاربا كسجين مظلوم، كانت كالماء بلا لون ولا شكل، صافية كلحظة صدق، ومتدفقة كشلال بالأمنيات المشروعة ..
وسيقولون ماتت..
نعم، ماتت من الغبن، كفنا جسدها بدستور فضفاض، حفرنا قبرها بخنوعنا الطوعي، وأقمنا لها جنازة مهيبة، عددنا فيها مناقبها، ووزعنا إرثها بين أعدائها، وشربنا نخب الالتفاف عليها وقلنا كان فضلها علينا عظيما..
إن شئتم ماتت، لكن روحها تعبث من أرواح الأحرار، والشعب لا يزال هنا حيا يرزق من فتات الأسياد، والرحم لا يزال خصبا، وإن تأخر الربيع أعواما أخرى، ففبراير يعود في كل عام.