عماد كزوط ـ تناقلت، مؤخرا، عدد من وسائل الإعلام المغربية، أخبارا عن إبعاد الهمة عن المربع الملكي، بل إن يومية وطنية سارعت إلى عنونت ملف لها هكذا ” الهمة: هل انتهت أسطورة الرجل القوي؟”
وقبل ذلك بيومين كانت نفس اليومية قد خصصت حيزا للهمة تدافع فيه عن “اطروحة” عدم تدخله لصالح صهره المعتدي على وزير الصحة بالبرلمان، قبل أن تعود ذات اليومية لتتحدث عن جولة الهمة بالرحامنة دون مسؤولي الإدارة الترابية، وعن غياب أي أثر له في لائحة الولاة والعمال المعينين مُؤخرا. جريدة أخرى ذهبت أبعد من ذلك حيث صورت الهمة “يتسول” “اللجوء السياسي” لحزب سياسي مغربي، فهل فعلا انتهى “العصر الذهبي” لإبن الرحامنة؟ وهل يمكن للملك أن يستغني عن رفيق دربه وزميل دراسته فؤاد علي الهمة؟
“يستحيل أن يُبعد الملك الهمة”
“علاقة الملك بالهمة عصية على الفهم”، يقول رجل إعلام شهير، طلب عدم ذكر اسمه، قبل أن يضيف: “الهمة جزء من بنية النظام السياسي الجديد، يمكن للملك أن يغضب منه، لكن لايمكن أن يتخلى عنه”.
وزير مغربي سابق، طلب بدوره عدم ذكر اسمه، استغرب لمثل هذه الاخبار التي تحاول تغييب الهمة أو تصويره “انسانا عاديا”، مضيفا “الحمد لله أن المغاربة يعرفون الهمة”، قبل أن يتساءل “هل يريدون الملك أن يعيش لوحده”؟
الملك ينتصر للهمة
في عز الزخم الجماهيري الذي عرفته حركة عشريين فبراير عند انطلاقتها الأولى2011 ، وفي سياق شعارات الرفض التي صدحت بها حناجر شباب 20 فبراير في وجه مؤسس حزب “الأصالة والمعاصرة”، ظهر الهمة يتجول رفقة الملك بين شوارع الحسيمة، قبل تنفجر في وجهه، أعنف قضية في مساره السياسي، حين تناقلت وسائل إعلام مغربية عن موقع “لكم”، رواية عن حقيقة ما جرى في فضيحة العفو الملكي على “البودوفيل الإسباني” جون دانييل، حيث تفيد الرواية أن الهمة هو من اتصل بالسفير الإسباني بالرباط، محتجا على لجوء الملك الإسباني إلى بنكيران من أجل العفو على أحد السجناء الإسبانيين بالسجون المغربية، ما حذا بالسفير بعد أن طلب منه الهمة ذلك، إلى إعداد لائحة السجناء الإسبان بالمغرب للعفو عنهم، فتسرب إسم “دانيال” داخل اللائحة، قبل أن تفجر “لكم” “الفضيحة”.
ترقب الجميع قرارا صارما ضد الهمة، بعد أن باتت المملكة على كف عفريت، من خلال إصدار الديوان الملكي لثلاث بيانات في سابقة لا عهد له بها، موضحا فيها ما جرى، بل واستقبل أهالي الأطفال “الضحايا المغتصبين”، لكن شيئا من ذلك لم يحصل، ليظهر الهمة لاحقا، رفقة الملك على مائدة إفطار ببيت الميلياردير عزيز أخنوش، بعد أن كذبت السفارة الإسبانية رواية “لكم”.
لا حاكم ناجح دون صديق حميم
تؤكد معظم الدراسات وكتب التاريخ التي تناولت حياة الحكام أن أي حاكم يحتاج إلى صديق حميم يرث أسراره ويخلو إليه عند ضيق صدره ويشركه ما لا يشركه مع الآخرين من أعضاء بطانته. وبالرغم من سوء الفهم والعتاب والسقوط في الخطأ بين الحاكم وصديقه بحسب دراسات سيكولوجية، إلا أنه سرعان ما تعود الأمور إلى نصابها.
وهذا ما سجل الوزير السابق المذكور في العلاقة التي كانت تجمع الملك الراحل الحسن الثاني بصديقه المقرب احمد رضى اكديرة، مؤكدا أن علاقة الأخيرين علاقة خاصة قُوَّتها أسرار خاصة، لا يعلمها أحد، فبالرغم من اتهام اكديرة بالعمل لصالح فرنسا وبكونه عميلا لإسرائيل وبالرغم من كل الأخطاء التي ارتكبها كديرة إلا أن علاقته بالحسن الثاني ظلت قوية.
وفي هذا الصدد، يضيف ذات المصدر، سبق أن قال الملك الحسن الثاني بخصوص أحمد رضا اكديرة إنه “يخطئ أحيانا وينسى أنني ملك البلاد ولم أعد وليا للعهد”.
الوزير السابق عاد بالموقع إلى حياة الرسل والأنبياء، ليؤكد كلامه بضرورة وجود صديق في حياة أي حاكم ناجح، ضاربا المثل بمكانة أبي بكر الصديق عند الرسول، حيث كانت مكانة خاصة ومتميزة، رغم أن عمر بن الخطاب وعبد الرحمان بن عوف وخالد بن الوليد كان أولى بتلك الصداقة، إذا استحضرت بعض الحسابات، ولكن الرسول كان يفضل أبي بكر على ما دونه من صحبه، وكذلك كان نبي لله موسى الذي جعل أخوه هارون صديقا حميما، حتى إنه تجاسر على الله بطلب أن يكون هارون نبيا إلى جانبه. يضيف ذات المصدر.
سلميان القانوني، الذي يعتبر أعظم ملوك التاريخ، حتى لقب بملك الأقاليم الخمس والبحار الخمس، كان يتخذ من ابراهيم باشا صديقا حميما، بعد أن درس معه وكبرا سويا، حتى لقبه بالصدر الأعظم، وكان يستوحي منه جميع سياسته، ويشركه في كل أسراره، حتى إن كتب التاريخ تعزو كل مجد سلميان إلى ابراهيم باشا. يضيف الوزير السابق.
دور الصداقة في حياة الحكام من وجهة علم النفس
تعتبر الدراسات ” السيكولوجية ” أن الصداقة هي قدرة كل طرف من أطراف العلاقة على استثارة انفعالات قوية في الطرف الآخر وهي خاصية مترتبة على الإتمِّاَدِية، إذ تعد الصداقة مصدرا لكثير من المشاعر الإيجابية السارة أو غير السارة، مؤكدة في الوقت ذاته على اهمية الصداقة في حياة الإنسان نظرا لحاجة هذا الأخير إلى إنسان آخر يبادله المشاعر والأحاسيس وينصحه ويرشده إلى الصواب.
“ليس هناك رجل أقوى من الملك”
يرفض رئيس جم
عية “الدفاع عن حقوق الإنسان” لحبيب حجي في حديثه لـ”إنصاف” وصف الهمة بالرجل القوي، مؤكدا حجي بأنه ليس هناك شخص قوي في المغرب، داخل محيط الملك، وكل شخص يبدو كذلك فإنما يستمد قوته من قوة الملك. و يرى حجي أن الملك لا يمكن أن يبعد أصدقائه و أقربائه بمجرد غضبة منه على بعض أخطائهم، مؤكدا أنه لو كان الملك قد أبعد الهمة كما تتداول بعض الصحف، لأبعده حين “تسبب في كارثة إعلامية التي خصت مغتصب الأطفال دانيال”، وبالتالي ففرضية إبعاد الهمة، يوضح حاجي، عن عمله لا يعني إقصاءه فربما قد تكون له أعمال أخرى، يضيف حجي لـ”إنصاف”.
و يسترسل حجي في نفس السياق “صحيح أن هناك شيء قد حصل نتيجة غياب الهمة عن مجموعة من الأنشطة الرسمية، لكن لم يظهر أي شيء على السطح، فالطريقة غير المؤسسة التي يتم بها اختيار مستشاري الملك لا تسمح بمعرفة حيثياتها، وبالتالي تبقى هاته العلاقات محدودة بين الملك و مستشاريه”، بحسب تعبير حجي، قبل أن يختتم قوله: أنه لا يتفق مع تحليلات ابعاد الهمة، مادام ليس هناك موقف يؤكد ابعاده، وهكذا ففي أي لحظة يمكن ان يعود الهمة لأشغاله كما تعودنا عليه” يضيف حجي.
خبر ابعاد الملك للهمة غير مؤسس
غير بعيد عن هذا التصور، يسير مؤسس حزب “الديمقراطيين الجدد” محمد ظريف في نفس طرح لحبيب حجي، معتبرا أن التوسع في التأويلات أحيانا يؤدي الى استنتاجات بعيدة عن الواقع، و”بالتالي فمسألة ابعاد الهمة من محيط الملك مسألة لا أساس لها من الصحة، فلو كان الأمر كذلك لصدر بيان من الديوان الملكي ينص على إبعاده، محملا مسؤولية ذلك إلى محاولة سبق الصحفي الى نقل الخبر للرأي العام، باعتبار هذا الأمر، على حد قول ضريف، يجعل الصحفي يقع في تحليلات غير مبنية على وقائع وبالتالي الوقوع في الخطا، وهذا شيء ينبغي أن لا يقبل.
ويبقى السؤال عالقا: ما الأسباب الكامنة وراء تخلف فؤاد علي الهمة عن مجموعة من الأنشطة الرسمية التي تدخل في صميم عمله؟ أما الأسئلة الجوهرية والعالقة فهي: ما الغاية من وراء مثل هذه الأخبار التي تصور الهمة “ضعيفا” وبعيدا عن دائرة النفوذ الملكي، خاصة وأن البعض بدأ يركز في كتاباته على إظهار الهمة “الإنسان الديمقراطي”، الذي يتجول في الرحامنة لوحده، و يلجأ للقضاء ضد خصومه ! مستصدرا “حكما” لصالحه في ظرف قياسي بغرامة الكولونيل القادري 400 مليون سنتيم، ” الهمة الإنسان”، الذي لا يتدخل في القضاء لصالح أقربائه، علما أن القريب قال في حق وزير الصحة ما لم يقله مالك في الخمر، بحسب شهود عيان !؟
هل “يُحضَّر” الهمة للعب دورا ما في المستقبل؟ هل هناك شخص أو جهاز ما يستهدف الهمة؟ أم أن الملكية ضاقت ذرعا بما قيل وروج له حول الهمة، خاصة من لدن أعضاء “العدالة والتنمية”، وتسعى اليوم إلى “إسقاط” ما علق به من اتهامات، عبر إظهار “الهمة الإنسان الديمقراطي العادي” وليس الهمة “عدو الإسلاميين والديمقراطية ورجل التعليمات والدسائس”؟
إشارة لابد منها
استنادا إلى مصادر مقربة واخرى مطلعة الهمة يكره ان يلقب بـ”الرجل القوي” ويتضايق جدا من هذا الوصف بحسب نفس المصادر.