إنصاف بريس ـ “ما كاين لا سامي ولا سامية” هكذا تحدث وزير الحكامة، محمد الوفا، إلى إذاعة “أصوات” مساء الخميس الماضي، عن أحمد الحليمي، المندوب السامي لمندوبية التخطيط، قبل أن يُغطي هجوم الوفا معظم الصفحات الإجتماعية والمواقع الإلكترونية وعدد من الصحف الوطنية.
فمن يكون الحليمي حتى يخلق كل هذا الجدل ويدفع وزيرا إلى الخروج عن واجب اللياقة المطلوبة في مسؤول حكومي؟ ثم لماذا ظل الحليمي لسنوات خلت من المسؤولين الذين لم يبرحوا مناصبهم، ولم يتأثروا بتقلبات المناخ السياسي وعواصفه؟
“معارض” في بيوت الحكومة !
يوصف الحليمي لدى المتتبعين لتفاصيل الحياة السياسية المغربية بـ”اشتراكي الصالونات”، فرغم تموقعه سياسيا في اليسار “المعارض” (الإتحاد الإشتراكي)، إلا أن زياراته لبيوت الوزراء وأعوان السلطة، كانت أكثر من مثيلاتها لأحياء الشعب الفقيرة ودواوير الجبال النائية التي تئن على مهل.
“كنت في فرنسا سنة 1990، ولدى دخولي للمغرب شهر أكتوبر من نفس السنة، وددت زيارة حسن أبو أيوب، وكان وزيرا للفلاحة آنذاك، غير أن مفاجأتي كانت كبيرة حين وجدت الحليمي في بيته، وتساءلت مع نفسي ماذا يفعل معارض اتحادي في بيت مسؤول حكومي”؟ يقول مسؤول رفيع المستوى سابقا لـ”إنصاف”.
في نفس السياق، يحكي صحفي فرنسي عن واقعة مثيرة حدثت له ثمانيات القرن الماضي، حين كان في زيارة إلى المغرب لتنظيم لقاء صحفي مع بعض قادة “الإتحاد الإشتراكي” باعتبار الأخير كان “رمزا لمعارضة” نظام حكم الحسن الثاني. وطبعا، لا يمكن أن تخفى دواعي زيارة الصحفي الفرنسي إلى المغرب، على رجل مثل البصري، خاصة وأن الأمر يتعلق بلقائه مع خصوم الملك الإتحاديين، فسارع البصري إلى مهاتفة الصحفي الفرنسي، طالبا منه زيارته في بيته، قبل لقائه بالقادة الاتحاديين، ليفاجأ الصحفي الفرنسي بوجود عدد من أقطاب الإتحاد الاشتراكي ببيت البصري، وكان بينهم طبعا أحمد الحليمي، وكل ذلك، بحسب مصادر “إنصاف”، ليُقنِع البصري الصحفي الفرنسي بأنه ليست هناك معارضة للنظام، وأن الكل ملتف حوله.
اليازغي: الحليمي كان على اتصال دائم بـ”لادجيد”
قبيل المؤتمر الثامن لحزب “الإتحاد الإشتراكي” سيفجر الكاتب الأول الأسبق للحزب محمد اليازغي قنبلة مدوية في وجه الحليمي، حين كشف من خلال مذكراته، أن الحليمي كان “على اتصال دائم بالجنرال عبد الحق القادري، مدير إدارة الدراسات والمستندات (لادجيد)”.
“استقر عبد الرحمان اليوسفي بأحد فنادق الرباط للقيام بالمشاورات وتخلى عن إقامته، كما اعتاد أن يفعل في السابق بمنزل الحبيب الشرقاوي (عضو المكتب السياسي ومدير مقر الحزب سابقا) الذي كان يجري فيه اتصالاته ولقاءاته بعدد من الشخصيات.وطلب من أحمد لحليمي أن يساعده في هذه المشاورات، هذا الأخير كان على اتصال دائم بالجنرال عبد الحق القادري، مدير إدارة الدراسات والمستندات (لادجيد). وقد كانت الاستعانة بلحليمي عنصر مفاجأة لنا في المكتب السياسي”. يقول اليازغي.
لم يفند الحليمي هذه الإتهامات علاقته بـ”لادجيد”و اكتفى، في تصريح صحفي، بالقول:”العالم يعرف تطورات وتغييرات عميقة تحتاج منا التفكير فيها لا الرد على أمور كهذه. دوري في الاتحاد الاشتراكي وعلاقتي بقياداته من المهدي بنبركة والفقيه البصري وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي لا تحتاج إلى أن أدافع عنها”. قبل أن يؤكد على أنه” يعرف أشياء كثيرة لا يعلمها اليازغي”.”، ثم زاد قائلا: “سأكتب مذكراتي عندما تسمح بذلك الظروف. أنا رجل دولة يهمه مستقبل المغرب، ماشي حياح”، معتبرا اليازغي، ” من القيادات اللي طاح بيها السقف”.
الحليمي ينقلب على ولي نعمته اليوسفي !
لم يعرف المغاربة أن اليازغي “قطر به السقف” إلا بعد اتهام الأخير للحليمي بأنه كان على ارتباط وثيق بعبد الحق القادري مدير “لاديجيد”، حيث تفيد المصادر المتطابقة أن الحليمي كان إلى جانب اليوسفي بعد أن تفجرت الخلافات السياسية والتنظيمية داخل “الإتحاد والاشتراكي” قبل أن تصل ذروتها سنة 2001، بانشقاق “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، وفي خضم كل ذلك كان الحليمي يؤازر اليوسفي ضد خصومه داخل الحزب، قبل أن ينقلب عليه، بشكل مفاجئ، في حوار مفاجئ مع أسبوعية “الصحيفة” عبر قولته الشهيرة: “نهاية الزعامات التاريخية”، تعليقا على استقالة اليوسفي من الحزب ومن السياسة عموما سنة 2003.