بوشرى الخونشافي ـ في هذه الشهادة، التي نشرها موقع “أكادير بريس” لأحد أشهر رموز أحداث سيدي إفني ابراهيم سبع الليل، ينقل من خلالها حقيقة مثيرة على لسان سجين ينتمي لجبهة “البوليساريو”، كان قد تشارك معه سجن سلا على خلفية الأحداث المذكورة.
الشهادة بحسب سبع الليل يفيد صاحبها أن جهات داخل الدولة المغربية هي من تشجع على “الإنفصال” في الصحراء، وقال سبع الليل: أقسم لي الرجل على القرآن الكريم (ولم أرغمه على ذلك، وإنما كانت تلك طريقته في محاولة إقناعي بالأمر) أن جهات داخل الدولة المغربية تدفع الأموال من أجل أن يتبنى بعض الشباب الطرح الانفصالي، وأن العديد من الأحداث التي عرفتها بعض المناطق في الصحراء من تعليق لرايات البوليساريو على بعض المؤسسات وتوزيع المنشورات المناهضة للمغرب، كانت من فعل جهات من داخل الدولة المغربية نفسها، وأنه كان شاهد عيان على عمليات في هذا الاتجاه”.
وهذا نص الشهادة كاملا:
بعد قرار تجريد الأخ محمد عصام من صفته كبرلماني عن إقليم سيدي إفني، هاهو قرار أرعن آخر يقضي بإعفاء الأخ محمد الوحداني من صفته كرئيس لبلدية سيدي إفني. الرجلان معا من مؤسسي السكرتارية المحلية إفني آيت باعمران ومن رموزها اللذين دفعوا ثمنا باهظا من أجل مدينة سيدي إفني وآيت باعمران. وهما معا قد انتخبا ديمقراطيا عبر صناديق الاقتراع بشكل غني عن كل المزايدات.. وهما معا أدينا في قضية يدرك الجميع، بما فيه الجهات التي اتخذت القرارين، أنها قضية سياسية صرفة.
هذه الشهادة للتاريخ.. الهدف منها ليس التأسي على فقدان شيء يذكر أو لنقل التأسف على الخروج من مؤسسات تريدها جهات داخل الدولة على مقاسها وتحت سلطتها، وإنما الهدف منها توضيح أمور كثيرة تغيب عن الكثير من السطحيين، ممن يعتبرون أن الأمر يتعلق بقرارات “قانونية” اتخذت في إطار دولة “الحق والقانون”، وفي ظل حكومة تباشر “الإصلاح والتغيير” ولا تحابي في القانون أحدا.
الأمر أكبر من ذلك.. وإن لم تفهموا فتلك مصيبة.. إذ أنه منذ انطلاق السكرتارية وتعاظم شعبيتها، كان المتحكمون الحقيقيون في الدولة يحرصون على تبليغنا رسالة واضحة مفادها أن مشكلة الدولة مع السكرتارية هي أنها تشتغل خارج المؤسسات.. حتى قال لنا قائلهم، صراحة في لقاء على هامش جعجعة له، “أسيدي دخلوا للمؤسسات ووريونا حنة يديكم”.
وبالفعل قررنا دخول المؤسسات والعمل من داخلها.. ويبدو أن المؤسسات سرعان ما ضاق صدرها بمناضلي السكرتارية المحلية. هل هذا مؤشر على أن حساباتهم قد خابت وأن ما كانوا يراهنون عليه من احتواء لرموز السكرتارية المحلية و”تأطير” دخولهم للمؤسسات قد فشل؟ لا أشك لحظة في ذلك. ما يهم في هذه اللحظة هو أني أصبحت مقتنعا تماما بأن جهات داخل الدولة لها حساباتها وأجنداتها الخاصة التي لا تصب إطلاقا في اتجاه حل المشاكل، وإنما بالأحرى في اتجاه تأزيمها.
وللتاريخ، أقول أنه رغم كل ما تعرضنا له من سجن وفقدان وظائف ومنع من دخول المؤسسات، ظل خطابنا خطابا مسؤولا، لا يزايد لا بثورية كاذبة ولا بانفصال عن قناعة واختيار. وفي الوقت الذي ظلت هذه الجهات تدفع بمدينة سيدي إفني نحو تبني خطابات متشنجة، حتى أصبحنا نسمع في المدينة خطاب الانفصال الغريب عنها، ظللنا نحن كمجموعة نقاوم الرغبة في المزايدة على الدولة، لا خوفا ولا رغبة، وإنما قناعة من أن خطاب المسؤولية هو الخطاب الوحيد الممكن. لأن الأمر يتعلق بمستقبل بلد نحبه اسمه المغرب، رغم مؤاخذاتنا الكثيرة على من يحكمه، ومنطقة نعزها اسمها سيدي إفني وآيت باعمران. في فترة سجني ظلما وعدوانا بالسجن المحلي بسلا، شاءت الأقدار أن أتعرف على معتقل صحرواي انفصالي، تطورت بيني وبينه علاقة صداقة قوتها، دون شك، أسورة السجن والانتماء إلى نفس الفضاء الثقافي القائم أساسا على عشق كؤوس الشاي محكمة الإعداد. وكنا كثيرا ما نناقش “قضية الصحراء”، أسبابها وآفاقها. وقد كنا رغم اختلاف وجهتي نظرنا حول هذه القضية، نتقاسم شيئا كثيرا من الاحترام. في إحدى أيام نقاشاتنا حول الأخطاء التي ارتكبتها الدولة المغربية في الصحراء، والتي أدت إلى نشوء أجيال تحمل كثيرا من العداء للمغرب، أقسم لي الرجل على القرآن الكريم (ولم أرغمه على ذلك، وإنما كانت تلك طريقته في محاولة إقناعي بالأمر) أن جهات داخل الدولة المغربية تدفع الأموال من أجل أن يتبنى بعض الشباب الطرح الانفصالي، وأن العديد من الأحداث التي عرفتها بعض المناطق في الصحراء من تعليق لرايات البوليساريو على بعض المؤسسات وتوزيع المنشورات المناهضة للمغرب، كانت من فعل جهات من داخل الدولة المغربية نفسها، وأنه كان شاهد عيان على عمليات في هذا الاتجاه.
ما يحدث اليوم في سيدي إفني يؤكد لي الأمر.. فما المراد من توزيع امتيازات على عدد من الشباب ممن أصبحوا يزايدون بالخطاب الانفصالي، إن لم يكن الدفع بآخرين لركوب موجة الانفصال؟ وما الهدف من تيئيس الناس من وجود مؤسسات قوية ومستقلة بقرارتها تقدم خدمات جيدة للمواطنين؟ ما الهدف من ضرب جهود رموز السكرتارية في إعادة الأمل والثقة للناس في المؤسسات؟
لقد صرت اليوم أكثر ميلا إلى تصديق حقيقة أن جهات داخل الدولة المغربية تصطاد في الماء العكر، وأن لها حسابات بعيدة كل البعد عن مصلحة البلاد.
فإلى من يهمهم الأمر من أولئك الذين “فرعوا رؤوسنا” بالمؤسسات وأهمية دخول المؤسسات، أقول، “إن ما يحدث في سيدي إفني عبث ما بعده عبث، وإن حصاده لن يكون سوى رياحا عاصفة، لأن المثل الفرنسي يقول، (من يزرع الرياح يحصد العواصف)، ولو بعد حين.